منبر البترا
بترا سكوب كَمَنجَة

انقلاب العمر Breaking Bad

منبر البترا- من عدي صدقه

كيف تنقلب حياة الانسان رأسا على عقب ، وما هو دور المجتمع في ابرز التحولات الجذرية التي تصيب الانسان ، وما مفهوم العائلة ، وما هو الحد الفاصل بين الرذيلة والفضيلة ، بين الخداع والحقيقة ، بين الذات والغير ؟ اذا كنت على استعداد لمواجهة هذا التدفق من الاسئلة  بصورة تجعلك تقضي نهارك كاملا وانت تفكر وتتخيل وتسأل ، فاني وبشدة انصحك بمتابعة المسلسل الامريكي الذي فاق شهرته ارجاء العالم وتحول للوحة فنية عظيمة ، تمارس سطوتها عليك حتى حين تنتهي من متابعة الحلقة الاخيرة .

على مدار خمسة اجزاء ، يرصد المسلسل التحولات الجسيمة التي تصيب استاذ الكيمياء سيد والت ، وتتنقل من حلقة الى أخرى في مشهد حياة أستاذ الكيمياء العبقري ، الحياة الروتينية الهادئة المفرطة بالمثالية ، والتي تصبح حياة ملأى بالصخب والعنف والجريمة ، السيد والت يكتشف في عمر الخمسين اصابته بمرض السرطان ، الاكتشاف الذي سيجعله يواجه جانبا اخرا كان يجهله عن نفسه ، الجانب الاجرامي من النفس البشرية ، والواقع السوداوي للمال والجريمة والمخدرات ، في هذا التقرير اضيء على التحولات هذه من زاوية العلاقات المحورية التي تدو في فلك البطل والت ، واثرها البارز في المصير المحتم الذي ينقاد له الاستاذ المجرم ، او المجرم المرتبك ، او السيد والت .

الزوجة المعضلة

تشكل الزوجة في حياة انسان عامل استقرار ، واذ يلجأ الرجل للزواج  كي يستقر اخيرا في مرفأ السكينة الزوجية التي تغلفها عادة مشاغل البيت ، وتحيطها هالة من الراحة والود والتعاطف ، وتدور التحديات  والهواجس ، واحلام الزوجين ، في واقع قوامه التعاون والتعاطف والتفاهم

بهذا الجو يدور والدت الهادئ في بيت جميل متواضع في احدى انحاء مدينة الباكيركي الامريكية ، وتتفاعل الاحداث بسرعة في حياة الرجل ، اثر تدهور حالته الصحية ، واكتشافه للمرض الذي يسكن رئته . ويدخل في منعطف خطير جدا ، وكل ذلك على عين زوجة ذكية ، لماحة شغوفة بالتفاصيل ، ومن هنا تبدأ سكايلر الزوجة التي بدت كأنها واثقة كل الثقة بزوجه ومهنيته واخلاقه ،  بالتساؤل حول التصرفات الغريبة التي طرأت على زوجها ، ويسكنها الشك حول الوقت الذي يقضيه خارج المنزل ، شيئا فشيء ، تواجهه بشكل مباشر في وقت يفضل فيه الرجل الحريص على تماسك العائلة بالهرب والكذب واختلاق الاعذار التي سرعان ما تتداعى امام فطنة الزوجة ودقة ملاحظتها

تمثل سكايلر ، الزوجة والشريكة ، شخصية محورية هامة في هذا العمل ، فهي المعضلة الدائمة بالنسبة للبطل ، هي هاجسه  ودائرته ، هي السند الذي يبدأ بالتنكر لقيمته ، وتتحول الزوجة الجميلة والحالمة من سيدة بيت تهتم لمنزها ، لامرأة مضطربة تملأها الاسئلة حول الرجل الذي عرفته ، وقد بدأ بالتحول جذريا ، وبدأ يفقد نفسه وذاته ، اصبح ابعد واغرب ، وهو امام ناظريها . مع تداعي الاحداث وانخراط الرجل حتى رقبته في عالم الجريمة ، تصبح الزوجة تحديا بالنسبة لسيد والت ، بل ندا صعبا وعنيدا لا يجد امامه ما يفعله ، فهو من جهة ، يريد حفظ العائلة التي تقوم أساسا على قيمة الزوجة ، ومن جهة اخرى لا يريد ترك هذا العالم الموحش الذي اوغل نفسه فيه ، وفي هذا التناقض العنيف تظل الزوجة في حالة شك دائم ، الى ان تتكشف الحقائق امامها تباعا ، وتجبر تحت واقع التهديد الجنائي والامني ، والخطر المحدق على نفسها وعلى ولديها ، على الانقلاب على زوجها ، وتمني موته على اقل تقدير .

يبدأ التحول في شخصية سكايلر منذ اللحظات الأولى التي يبدو فيها الزوج غريبا في عالم اخر ، بعيد كليا عن ذلك الشخص الذي كان عليه خلال وقت قصير ، ويستمر هذا التحول ليطال مناحي حياتية مختلفة ، فالزوجة المحترمة ، تشرع بممارسات غريبة في محاولة منها للهرب من الدمار الذي حل بالعائلة ، وتطرأ تغيرات جوهرية على طريقة تفكيرها ، وفلسفتها الحياتية ، ونظرتها للخير والشر ، ويبرز السؤال المهم في وسط هذه التحولات ، من السبب ؟ هل تحول الانسان من شخص الى شخص اخر مختلف كليا ، هو نزعة فطرية لابد ان تتطور وتصبح حالة ، ام ان انهيار الواقع الذي نعيشه رفقة اشخاص نحبهم ويعنون الكثير لنا هو السبب في ذلك ، بصورة ابسط ، هل السيدة سكايلر هي ذات نزعة شريرة من الأساس ، ام ان حياة والت قد جعلتها هذه الشخصية المتقلبة ؟

يمثل المشهد الأخير الذي يجمع الزوجين ، جوهر هذه التساؤلات بعد كل ما طرأ على مصائر افراد هذه العائلة ، في صورة البيت المتداع الغائر تماما بين الزوجين ، تنبعث دخان سيجارة بين يدي سكايلر ، وقبالتها يقف زوجها والصمت هو السيد ، قبل ان يدور حوار أخيرا بين الرجل والمرأة على اطلال العلاقة التي جمعتهما لسنين ، يعترف فيه البطل والت اعتراف صادم ومفاجئ ، مناقض تماما لجوهر ما فعله طيلة السنتين الأخيرتين من حياته ، قبل ان يتلاشى طيفه ويذهب أخيرا لمصيره المحتم .

Related posts

«المتحف المتنقل» يواصل زياراته ومعارضه التشكيلية في أرياف وبوادي المملكة

مسرحية عربية ضد التحرّش على المسارح الأردنية

“دعوة إلى المحبة”تقدمها كارولين ماضي

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com