الكاتبة: شروق طومار – جريدة الرأي
نواجه اليوم وضعا استثنائيا في التعليم، يتحدد بتعليم عن بعد لا يلبي أدنى الاشتراطات التي يتوجب توافرها في عملية التعليم، سواء كان ذلك من حيث نوعيته أو جودته أو مدته، والأهم من حيث طريقة ظهور المعلم في الفضاء التلفزيوني أو الإلكتروني.
كل هذه الإشكاليات وغيرها يعانيها التعليم عن بعد اليوم، وهي أمور تشكل تحديات حقيقية للطلبة الذين يحاولون أن ينجزوا مهامهم لاجتياز صفوفهم الحالية.. لكن، ليس أكثر من هذا.
في الناحية الأخرى من التحديات التي تحاول وزارة التربية والتعليم إنكارها، هناك الأهالي المتورطون حتى الصميم في عملية تعليم أبنائهم ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في هذه العملية، بينما يتذكرون أوقاتا كانت المدرسة تتواصل معهم فيها بحدة محذرة من تدخلهم في أي تفصيل في تلك العملية.
نحن هنا نتحدث عن أزمة راهنة تتمثل في التعليم عن بعد وتحدياته وإشكالياته العديدة، غير أننا نتناسى أن التعليم لدينا وبجميع أشكاله يعاني من تحديات مفصلية منذ أكثر من ثلاثة عقود حين فقدت المنظومة بكاملها البوصلة حول ما يمكن أن نطمح إليه من مخرجات، وما نريد للطالب أن يكون عليه حين ينهي صفا أو مرحلة.
ملامح الضعف بدأت بالظهور على مخرجات منظومتنا التعليمية منذ عقدين تقريباً، حين بدأ الخريج الأردني يفقد تنافسيته في فضاء العمل العربي ولم يعد بمقدوره أن يكون أولوية أو ضمن أولويات المشغل العربي الذي تمثل بشكل رئيسي في دول الخليج العربي. في الطب والتمريض والتعليم تغيرت مؤشرات التشغيل لصالح جنسيات أخرى ولم يعد الأردني صاحب حظوة فيها.
على مدار عقود طويلة شكلت الكفاءات الأردنية العصب الرئيسي للإدارات الوسطى في كثير من الدول العربية، ومن المعلوم أن هذه الإدارات هي من كانت تصنع الفرق في المؤسسات على اعتبار أن الإدارات العليا محجوزة لأبناء تلك البلدان. كان ذلك اعترافا حقيقيا بالكفاءة الأردنية التي استطاعت أن تدير مؤسسات ضخمة وأن تحجز مكانة حقيقية لها في فضاءات العمل تلك.
ما الذي تغير إذن ؟!!
في التخطيط الاستراتيجي للتعليم يتوجب أن يمتلك المخطط منظورا لما يطمح إلى تحقيقه في الخريج. في عقود سابقة كان تخريج معلمين مؤهلين واحدا من أولويات صانع القرار الأردني، فقد كان العالم العربي بحاجة إلى التعليم خصوصا خلال فترة ما بعد الاستعمار، وأيضا لأن الأردن كان يمثل قمة عربية في الاتجاه نحو التعليم وتوفير الكوادر المؤهلة لتسد فراغ قلة المؤهلين عربيا.
المسألة لا تتحدد فقط في نوازع الوجاهة المتأتية من تعليم الأبناء، بل كان ذلك يمثل واحدا من أوجه الاستثمار في الأبناء وفي المستقبل. لقد ظل الأردني دائما يؤمن بأن التعليم قادر على أن يحمله من طبقة إلى طبقة أعلى، فالفلاحون الأوائل هم من شكلوا الوزارات وهم من تولوا إدارة المؤسسات العامة في الدولة، ولم يكن ليتسنى لهم ذلك لو ظلوا قانعين بأميتهم وعدم استنفارهم نحو التعليم.
كان هذا سابقا، حينما وضع المخطط الأردني أهدافا محددة، وطبق سياسة صارمة لتحقيقها ضمن معايير قابلة للقياس.
أستعرض باختصار ما استطاع الأردن تحقيقه خلال فترة غابت فيها عن دول عديدة أطر التخطيط السليم لعملية التعليم والنهضة التي من الممكن أن تحققها، بينما شكل الأردن مثالا فريدا في ذلك واستطاع أن يؤسس، رغم بواكير تجربة الدول في هذا المضمار، لعملية شاملة عممها على جميع البيئات لديه في المدينة والبادية والريف والمخيم.
ألا يحق لنا إذن أن نتساءل؛ لماذا لم نعد اليوم قادرين على التخطيط السليم وتبني الاستراتيجيات الملائمة لنحقق أهدافا مطلوبة من التعليم الذي يعبر عن روح العصر؟!
أحسب أن ما أطرحه هنا هو الجوهر الحقيقي للتعليم، وهو ما يمكن أن نطلق عليه «التعليم بالأهداف»؛ أي أن نضع أهدافا للتعليم خلال الفترة المقبلة ويمكن تقسيمها إلى عشريات، ثم نقوم بهندسة العملية التعليمية بما يصب في تحقيق تلك الأهداف.
ينبغي أن نخرج من سلبية القرارات التي تريد أن تحدث ثورة خلال أسبوع. هذا الأمر قد ينفع في العلاقات الشخصية، لكنه لن يكون نافعا في التخطيط لمستقبل البلدان.
كاتبة في جريدة الرأي و الغد سابقا