الدكتور لؤي أبو قطوسة* – لم يعد يخفى على المواطن الأردني درجة الضبابية في الاستراتيجيات المعتمدة للتعامل مع الوباء خاصة في ظل خطاب إعلامي تهويلي غير منضبط وفي جو من تضارب التصريحات التي تولد حالة من السخط والإحباط والقلق والتوتر وبالتالي الشعور بالمتاهة .
إن الحكم الصحيح على الشيء يعتمد على التصوّر الصحيح له ومن كل الجوانب وهذا يأتي من خلال الاعتماد على المختصين وأهل الخبرة الممارسين والمطلعين على الأشياء، والنقاش والعصف الذهني ودراسة اختلاف الآراء بعيداً عن التحيز أو الإتهام أو السخرية أحياناً.
إن مِن الطبيعي وجود تباين الآراء حول محطات معينة من جائحة كورونا ومستقبلها بل هو أمر وصحي للمجتمع كالاختلاف حول آليات تطبيق الإجراءات باستعمال الأنظمة الذكية أو الموظفين في الرقابة، لكن هناك جملة من الإجراءات ليست صحية ولا مفيدة بل تنم عن عدم فهم عميق وإدراك من قبل صانع القرار الذي غالباً يعمل وفق قاعدة :
one man show أو قاعدة this project is my baby
يرى مجموعة من أهل الاختصاص -وأنا منهم- أن الكورونا بدأت تأخذ طابع موسمي حالها حال اغلب الفيروسات التنفسية على وجه التحديد والانفلونزا الموسمية والزكام وغيرها الكثير والتي تزداد حالات الإصابة بها شتاء خاصة مع بدء عودة التجمعات الكبيرة كالمدارس والجامعات وبعض المناسبات الاجتماعية في فترة من التقارب بين الأفراد وعدم توفير حماية من قبل الشخص المعدي كارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي ونظرا لكون هذا الأمر صعب التطبيق على أفراد المجتمع والذين يتسم سلوكهم العادي بالانفتاح والتقارب تزداد وتيرة الإصابات ولفترة محدودة يكتسب معها المجتمع مناعة جزئية تمتد لستة أشهر إلى ربما أقل من العام بحيث يتجدد مسار الفيروس في الشتاء التالي ويتحدد عدد الاصابات فيه بمدى قوة وانتشار المناعة المكتسبة خلال الموسم السابق وهل ظهرت متحورات جديدة من الفيروس تستطيع مغالبة جهاز المناعة عند الأفراد .
لو أسقطنا هذه القاعدة على وضع كورونا الحالي محليا وعالميا نجد تطابقاً كبيرا حيث اننا شهدنا تزايد الإصابات الموسم السابق في نفس الفترة والتي عرفت بالمتحور البريطاني وبنسب إصابات اعلى قليلا ولك لأن تلك الفترة لم يكن المجتمع قد بدأ بتكوين مناعة فاعلة ولكن بعد انتهاء تلك الفترة شهدنا استقرارا في المنحنى الوبائي حتى هذه الاسابيع والتي بدأت الحالات فيها بالزيادة الطبيعية ولكن بأعداد أقل نوعا ما بسبب وجود مناعة جيدة بحكم المطاعيم والاصابات السابقة .
ومع الاحترام والتقدير لا عبرة للقول بأن الإصابات أعلى من المعلن لأن هذا -وهو صحيح بالمناسبة- لكنه ايضا كان موجودا في الموسم الماضي فالفحوصات لم تتغير والكوادر المؤهلة على العكس اكتسبت التدريب والخبرة الكافيتين في مجال التشخيص وعليه فارقام الإصابات ليست هي الحكم على تقدير خطورة الوضع الوبائي حاليا وفي كل شتاء
وهنا نتسأل : ما هي المؤشرات التي يجب أن يبنى عليها تقييم الوضع الصحي خلال الوباء؟
كمختص ومتابع أقول إن الانظار يجب أن تتوجه إلى نسب الادخال للمستشفيات من مجمل الإصابات المعلنة ومعدل الوفيات والذي يعكس فترة الإصابة وهي في المتفق عليه أسبوعان
فلو كانت الزيادة في حالات الإصابة تزيد من نسب الادخال فهنا مؤشر على قلق مشروع خاصة إذا كانت هذه الزيارة كبيرة بحيث تمتليء لا قدر الله مستشفياتنا بالمصابين خلال فترة أقل من أسبوعين شريطة إنخفاض ملموس بحالات الخروج من المستشفيات أيضا لأنها انعكاس لمستوى الحالات التي تم إدخالها فالبعض قد تكون حالته متوسطة ويخرج مشافى.
أما الأهم فهو حالات الوفاة والتي تعتبر مؤشرا حقيقياً لقياس الخطورة فلو زادت مع ازدياد الحالات فهذا يعني :
١. أن شدة الإصابات كانت أكبر وهذا يحدث في حال ظهور متحور جديد أو انخفاض المناعة عند فئات الاختطار بحيث تكون هي فئة حالات الوفاة الاعلى بين المصابين
٢. نقص الخدمة العلاجية والرعاية الصحية للمصابين أما بسبب الضغط الكبير على المستشفيات أو عدم نجاح البروتوكول العلاجي ونتمنى أن لا يكون هذا وضعنا في الاردن ولا العالم أجمع .
وعليه ووفقا لما يتم إعلانه فإن أغلب الإصابات والصعبة منها على وجه الخصوص والتي تؤدي إلى الوفاة هي بين كبار السن أو مرضى امراض مزمنة ولم يتلقوا جرعتين من المطعوم أو تلقوا وهذه الفئة هي من يجب التركيز عليها بشكل كبير خاصة في ضرورة حصول من يحتاج منهم بجرعة معززة والتي يجب أن تصبح موسمية لهم وتوفير عزل مناسب وتباعد لهم وليس الاعتماد على توفير التباعد الإجتماعي الكامل لكافة شرائح المجتمع والتي أثبتت التجربة عدم قدرة أي منظومة على تنفيذه بالشكل الكامل الذي يترتب عليه انتهاء الوباء أو حصره في فئة غير المطعمين كما قال البعض للأسف مخطئاً في ذلك فمن غير الممكن علميا العمل على عزل وحجر المجتمعات كاملة ولا تطعيم كل البشر في كل الأوقات .
*اخصائي الميكروبات الطبية والمناعة السريرية