منبرا البترا –
ناقشت الطالبة رزان العساف في الجامعة الأردنية رسالتها لنيل درجة الماجستير تحت عنوان:”انقضاء عقد التأجير التمويلي وفقا للقانون الأردني” تناولت هذه الدراسة موضوع انقضاء عقد التأجير التمويلي وفقاً للقانون الأردني، حيث أوضحت الأسباب العامة لانقضاء عقد التأجير التمويلي تطبيقاً للقواعد العامة، وكيفية مراعاة المشرع لهذه الأسباب في قانون التأجير التمويلي رقم (45) لسنة (2008)، وتوصلت الدراسة إلى أنّ العقد يزول بالانقضاء؛ حيث ينقضي عقد التأجير التمويلي بانتهاء مدته أو قبل انتهائها بشراء المأجور.
كما تناولت الدراسة البحث بالآثار المترتبة على انقضاء العقد وفقاً للقواعد العامة، والتي تتمثل بثلاثة خيارات ممنوحة للمستأجر وهي؛ شراء المأجور (قبل انتهاء المدة وعند انتهائها) أو رده أو تجديد العقد، وهي خيارات خاصة تترتّب فقط في ظل هذا العقد.
مقدمة الدراسة:
يعد نشاط التأجير التمويلي من أساليب التمويل الحديثة، فهي عملية تقوم على فكرة تمويل المشاريع بمدخلات الإنتاج من أجهزة وآلات لازمة لعملية الإنتاج عن طريق شرائها (من قبل المؤجر) لإعادة تأجيرها للمستأجر لينتفع بها مقابل دفعات مالية تستحق في فترات زمنية معينة مرتبطة بالعمر الافتراضي لهذه الآلات، وإعطائه في نهاية المدة ثلاثة خيارات إما شراء المأجور أو رده أو إعادة استئجاره، وبالتالي فإن الأموال محل العقد غالبا ما تدفع أقساطها بنفسها. وتحقق عملية التأجير التمويلي العديد من المزايا والضمانات لأطرافها؛ فتوفر السيولة المالية للمشروع المستأجر، مما يمكنه من مسايرة التطورات الحديثة وتحديث آلاته أو توسيع مشاريعه الصغيرة وتمويل كامل المشروع بنسبة100%، وتعود عملية التأجير التمويلي من جهة أخرى بأرباح وعوائد مالية على المؤجر، وتمكنه أيضاً من ضمان حقه؛ حيث يمتاز هذا النشاط بالفصل بين الملكية القانونية للأصل المؤجر وحق الانتفاع به فيتفادى المؤجر ما قد يلحقه من مخاطر إعسار أو إفلاس أو وفاة المستأجر، كما وتسهل العملية على المورد بيع منتجاته والحصول على ثمنها من مشترٍ مليء.
ظهرت عملية التأجير التمويلي بمفهومها السابق عام (1952) فأسست أول شركة للتأجير التمويلي على يد أحد رجال الصناعة الأمريكيين (Booth Junior)، وكان لنجاح الفكرة وفقاً لما حققته هذه الشركة من أرباح أثره بتأسيس شركات أخرى وانتقالها إلى غيرها من الدول، وصولاً إلى الدول العربية، وبدأ هذا النشاط في الأردن عام (1984) وذلك بإنشاء الشركة العربية لتأجير الآليات والمعدات كشركة مساهمة خاصة في مجال دعم بلاطات الأسقف الخرسانية وسقايل الواجهات، بالإضافة إلى استئجار الملكية الأردنية معظم طائراتها في مطلع الثمانينات أيضاً بنظام التأجير التمويلي، إلى أن أصبح من الأنشطة الأهم في الأردن.
يرتبط عقد التأجير التمويلي بالتشريعات الناظمة له، فبإلقاء الضوء على التنظيم التشريعي الذي تناوله المشرّع الأردني في موضوع التأجير التمويلي، نجد بأن المشرع الأردني قام بإصدر قانون التأجير التمويلي المؤقت رقم (16) لسنة (2002)، الذي تم تعديله بعد ذلك بالقانون رقم (48) لسنة (2003)، وبقي نافذاً إلى أن تم إعلان بطلانه وأصدر القانون رقم (45) لسنة (2008).
ويجدر التمييز بين عملية التأجيرالتمويلي من جهة وعقد التأجير من جهة أخرى؛ حيث تشتمل عملية التأجير التمويلي على مجموعة من العقود التقليدية، ويشكل فيها عقد التأجير التمويلي العقد الأساسي والجوهري، بالإضافة إلى غيره من العقود التقليدية من عقد التوريد* وعقد البيع عند نهاية مدة التنفيذ ؛ حيث أن الفرض العام في عملية التأجير التمويلي هو شراء المؤجر للمال المأجور من طرف ثالث (المورد) عن طريق عقد التوريد، لإعادة تأجيره للمستأجر عن طريق عقد التأجير التمويلي، وفي نهاية مدته يكون للمستأجر تملك المأجور بممارسة خيار الشراء إذا ما رغب بذلك عن طريق عقد البيع. وهذه هي عملية التأجير التمويلي أما عقد التأجير التمويلي فيتكون أيضاً من عدة عقود تقليدية؛ تتمثل بعقد الإيجار العادي والوعد بالبيع والوكالة -في بعض فروضه-، حيث يقوم المستأجر بالانتفاع بالعين المؤجرة عن طريق عقد الإيجار-مع تميزه في بعض أحكامه عنه-، الذي يكون محملاً بوعد بالبيع من المؤجر إذا ما أراد المستأجر تملك المأجور. أما وجود عقد الوكالة يتحقق فيما إذا اختار المستأجر المأجور من المورد مباشرةً وتفاوض معه حول مواصفاته، وإذا تسلم المستأجر المأجورَ بعد إبرام عقد التأجير من المورد مباشرةً بدلاً من المؤجر أيضا. وأدخلت العديد من التعديلات على قواعد هذه العقود التقليدية وأحكامها تحقيقاً لغاية هذه العملية.
يمكن تعريف عقد التأجير التمويلي بأنه: عقد كتابي بين مؤجر ومستأجر لاستئجار منقولات أو عقارات اختارها المستأجر واكتسب المؤجر ملكيتها من شخص ثالث –البائع أو المورد أو المقاول- ويمنح المستأجر الحق باستغلالها نظير أجرة محددة خلال مدة معينة غير قابلة للإلغاء، ويكون له الخيار عند انتهاء المدة بين تملكها مقابل ثمن متفق عليه أو إعادة استئجارها أو ردها إلى المؤجر. حيث لم يعرف المشرع الأردني عقد التأجير التمويلي بشكل صريح في قانون التأجير التمويلي رقم (45) لسنة (2008)، إلا أنه حدد ضمن نصوصه المعالم الرئيسية لإيقاع هذا الوصف على العقد، فلا يسمى العقد عقد تأجير تمويلي إلا إذا توافر فيه الشرطان التاليان؛ أن يكون تملك المؤجر للمأجور من المورد بهدف تأجيره بموجب العقد، وأن يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمأجور مقابل بدل الإيجار، سواء شمل العقد خيار الشراء أم لم يشمله.
ويشتمل عقد التأجير التمويلي على طرفين اثنين؛ المؤجر*والمستأجر**.
باستعراض التعريفات المختلفة للتأجير التمويلي ترى الباحثة أن أغلبها تؤكد على الخيار الثلاثي الذي يمنح للمستأجر، ويؤكد بعضها الآخر على كيفية تحديد مدة العقد، تمييزاً لهذا العقد عن بعض العقود المشابهة له (عقد البيع بالتقسيط* والبيع الإيجاري** والتأجير التشغيلي***)؛ ففي عقد البيع بالتقسيط تنتقل ملكية وحيازة المبيع إلى المشتري على الفور على الرغم من عدم سداد الثمن كاملاً كقاعدة عامة، فيكيف هذا العقد باعتباره عقد بيع ولا يمزج مع أي عقد آخر، بل يعطى المشتري فيه ائتماناً لدفع الثمن يتمثل بالمدة الزمنية، ويتكون أطرافه من البائع والمشتري. أما عقد البيع الإيجاري يقتصر هو أيضاً على طرفين اثنين؛ المالك والمنتفع (المتلقي)، ولا يشترط فيهما أي قيود أو ضوابط كما لا يشترط بالمال المأجور(المتعاقد عليه) أيضاً أي ضوابط حيث يكون منقولاً أو عقاراً حسب الفرض، ويمزج هذا العقد بين نوعين من العقود لا غير، وهما عقد البيع وعقد الإيجار، وتتضمن أقساطه الدورية على أجرة الانتفاع وجزءاً من الثمن. ومن أهم ما يميزه عن عقد التأجير التمويلي أنه لا يمنح إلا خيار التملك، فلا يملك المستأجر في عقد البيع الإيجاري عند انتهاء مدته إلا تملك المأجور، وهو الغاية المرجوة في العقدين السابقين، ويسهل على المشتري أو المستأجر دفع الثمن بإعطائه إئتماناً معيناً يتمثل بالمدة الزمنية. أما عقد التأجير التشغيلي يتسم بأنه لا يمكن المستأجر من تملك الأصل في نهاية المدة، بالإضافة إلى عدم وصفه بأنه علاقة غير قابلة للإلغاء، وقصر مدته بالنسبة لعقد التأجير التمويلي، فلا تغطي مدة عقد التأجير التشغيلي العمر الافتراضي للآلة، ولا يتحمل المستأجر فيه أعباء صيانة المال المأجور أو الآلة، فلا يعامل المستأجر على أنه مالك للمأجور.
سيتناول بحثنا إن شاء الله جزئية مهمة في موضوع التأجير التمويلي وهي “انقضاء عقد التأجير التمويلي”، في محاولة لتطبيق القواعد العامة على هذا العقد من ناحية وإبراز خصوصية هذا العقد من ناحية أخرى، وذلك لغياب دراسة متخصصة ومفصلة حول انقضائه؛ فبالرجوع إلى الدراسات السابقة التي تناولت موضوع عقد التأجير التمويلي على اختلاف جوانبه، تلاحظ الباحثة أن أغلب هذه الدراسات قد تناولت موضوع البحث في التكييف القانوني لعقد التأجير التمويلي والآثار المترتبة عليه بشكل عام ومجمل، في حين أشارت بعضها إلى انتهاء العقد بصورة مختصرة وموجزة، وكانت تستند إلى القوانين القديمة التي تعالج عقد التأجير التمويلي، أمّا بالنسبة للدراسات التي تناولت بالبحث نصوص القانون الجديد اقتصرت على دراستين متخصصتين إلا أنهما لم تشملا البحث بالتفصيل في انقضاء عقد التأجير التمويلي، مما استدعى دراسة في هذه الحالة وتوضيحها باعتبارها حالة من حالات زوال عقد التأجير التمويلي، والذي ستعالجه هذه الدراسة إن شاء الله بطرح جديد، وبشكل دقيق مع التركيز على قانون التأجير التمويلي الجديد ( رقم (45) لسنة 2008) والتعديلات التي أجراها المشرع على القانون السابق ومحاولة التوصل إلى الغاية من هذه التعديلات، حيث جاء هذا القانون بأحكام جديدة وبتغيير واضح ومهم، مع الإشارة إلى موقف القانون والفقه المقارن (المصري واللبناني ) والمشاكل والعقبات التي أثيرت لديهم بشكل مقتضب.
يعرف انقضاء العقد بأنه ” زواله بعد تنفيذه” ، حيث يعتبر الانقضاء احد حالات زوال العقد، فيزول العقد لأسباب ثلاثة؛ الإبطال، والانقضاء، والانحلال. وعرفت المذكرات الإيضاحية انحلال العقد بأنه “زوال العقد بعد أن انعقد صحيحاً نافذاً فلا يدخل فيه انقضاؤه”. أما البطلان والذي أشير إليه في المذكرات الإيضاحية بمصطلح الإبطال فعرفته بأنه “ما يرد على العقد في مرحلة الانعقاد ويكون بأثره رجعياً بحيث يعتبر العقد كأن لم يكن” ، ولغايات بحثية ستقتصر هذه الدراسة على الانقضاء كطريقة لزوال عقد التأجير التمويلي تطبيقاً للقواعد العامة.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى تشابه عقد التأجير التمويلي مع عقد الإيجار فكلاهما من العقود المستمرة التنفيذ، إلا أن المدة في عقد التأجير التمويلي تلعب دورا إضافيا، حيث بانتهائها يتحقق الغرض من إبرام هذا العقد، وبانتهائها أيضاً تترتب آثار خاصة متعلقة بهذا العقد تحديدا لا تقضي بها القواعد العامة بالنسبة لعقد الإيجار.
ومن جانب آخر؛ تتمثل الوظيفة الائتمانية لعقد التأجير التمويلي عن طريق تسهيل وفاء المستأجر لالتزاماته بمنحه ائتماناً يتعلق بالمدة، إذ تعتبر مدة عقد التأجير التمويلي طويلة نسبيا مقارنة مع باقي العقود، لاسيما عقود الإيجار. وتمتاز أيضا مدة عقد التأجير التمويلي بعدة خصائص ترتبط بالغرض من إبرام عقد التأجير التمويلي وبالتالي تؤثر على تحديدها.
كما يمتاز عقد التأجير التمويلي بالضمانات التي يمنحها للمؤجر والخيارات التي يعطيها للمستأجر في نهاية مدة هذا العقد؛ فللمستأجر الخيار بين شراء المأجور- وهو غالباً ما يكون الغاية من عقد التأجير التمويلي- أو إعادة استئجاره بشروط أيسر، أو رده إلى المؤجر، ويترتب على كل خيار يمارسه المستأجر نتائج خاصة.
إضافة إلى المشكلات القانونية التي ظهرت في نطاق القانون السابق، بصدد انقضاء العقد خاصة بما يتعلق باعادة المأجور إلى المؤجر وتسليمه، أو تنازل المؤجر عنه إذا مارس المستأجر خيار الشراء، أما في قانون التأجير التمويلي رقم (45) لسنة 2008 فقد نص المشرع على قواعد معينة تضمن استرجاع المأجور والتنازل عنه، وتتعلق أيضا بالاختصاص القضائي للمحاكم، حيث اضفى صفة الاستعجال على اجراءات التقاضي في بعض الحالات، والتي تحتاج الى التوضيح لما لها من أثر عملي على عملية التأجير التمويلي بشكل عام.
ومن هنا تتضح أهمية معالجة انقضاء عقد التأجير التمويلي؛ حيث أن غياب دراسة حول انقضاء عقد التأجير التمويلي في ظل القانون رقم (45) لسنة 2008 تبقيه عقداً غير محدد المعالم يشوبه الغموض والنقص، فلابد من توضيح النقاط السابقة ودراستها لتحديد خصوصية عقد التأجير التمويلي بما يتعلق بانقضائه، وذلك في ضوء قانون التأجير التمويلي رقم (45) لعام 2008، الأمر الذي يمكننا من تحديد حقوق والتزامات الأطراف المتعاقدة، وتقييم مدى فاعلية هذا النظام في النهوض بالمشاريع التجارية والصناعية المختلفة، وحتى باعتباره عقدا يلبي حاجات مجتمعية معينة.
خاتمة الدراسة:
تناولت هذه الدراسة موضوع انقضاء عقد التأجير التمويلي وفقاً للقانون الأردني، لما لهذا الموضوع من أهمية في تحديد الآثار المترتبة على الأطراف وتأثيره على هذه الأداة باعتبارها من أدوات التمويل. حيث عرضت نطاق انقضاء عقد التأجير التمويلي مع الاشارة إلى خصائص مدة هذا العقد وطريقة تحديدها، وعالجت الدراسة أيضا آثار انقضاء هذا العقد بالحديث عن الخيار الثلاثي.
وقد أبرزت الدراسة خصوصية عقد التأجير التمويلي في انقضائه مقارنةً بعقد الإيجار العادي، والتي تختلف عن غيره من العقود وتميزه عنه، مسترشدةً بالآراء الفقهية المتضمنة في عدد من الكتب، والمشاكل المثارة في ظل قانون التأجير التمويلي ( رقم 16لسنة 2002) ومدى معالجتها في ظل قانون التأجير التمويلي (رقم 45 لسنة 2008).