منبر البترا-بقلم: أ.د حربي عريقات
اولاً: الدين الإسلامي دين الإنسانية والرحمة والعطف بين البشرية كافة، فقد جاءت رسالة الإسلام لإقامة الحق والعدل والحرية والكرامة، وتحريم الظلم بأشكاله كافة، وتجريم الظالم مهما كان دينه، أو عرقة، أو جنسه، أو جنسيته.
ثانياً: الإسلام ضد جميع أشكال التطرف والتعصب الديني والعرقي والطائفي. فالإسلام لا يقر التعصب والعنف والتطرف والغلو؛ لأن ذلك يتعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية المبنية على المحبة والاحترام المتبادل بين الناس كافة. فالرحمة أحد الركائز الإسلامية تشريعاً ودعوة. يقول الله تعالى:
” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “آية (106) سورة الأنبياء.
ثالثاً: إن تشريعات الإسلام تحافظ على دم المسلم وغير المسلم، وتُحرًم القتل والسرقة والزنا والظلم. يقول الله تعالى في كتابه العزيز ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض كذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ” آية ” 33 ” سورة المائدة.
رابعاً: المشكلة الظاهرة الآن والمنتشرة، هي في تصرفات الإنسان وسلوكه الخاطئ، التي تصدر من المسلمين أنفسهم وغير المسلمين. وبالنسبة للمسلمين هناك بعض التصرفات الخاطئة إما عن جهل في فهم أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية، أو عن قصد سيء لتشويه سمعة الإٍسلام والمسلمين، والإسلام براء من تصرفاتهم المسيئة للإسلام والمسلمين، ولغير المسلمين.
خامساً: تؤكد وسائل الإعلام المختلفة أن ما يجري في الدول العربية كالعراق، وسوريا، وليبيا ، واليمن، والسودان، وفلسطين، وغيرها من تدمير، وقتل، وتشريد الملايين باسم الإسلام مرتبط بأوامر خارجية ويتم بايدي أفرادِ مسلمين، لا يعرفون حقائق كثيرة عن هذا الدين ، دين الرحمة والإنسانية، ويبيعون ضمائرهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ” يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ” آية ( 31 ) سورة التوبة
سادساً: الإرهاب يعني التخويف، وليس القتل. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالي أن نرهبه أي: نخافه كما في قوله تعالى ” وإياي فارهبون “آية (40) سورة البقرة.
كما أمرنا الله سبحانه وتعالي بالاستعداد للعدو توقعاً منه للكيد والحرب. فهذا الاستعداد هو لإرهابه حتى نتجنب قهره، وغطرسته، وعدوانه، وقد جاء موضحاً في قوله سبحانه وتعالى
” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ” الآية (60) سورة الأنفال.
خامساً: من أهداف الإسلام أنّه جاء بخصائص قوية مبنية على الكتاب والسنة، ليبني مجتمعاً متحاباً متراحما، متعاطفاً متماسكاً. يقول الله تعالى ” إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ” آية (100) سورة الحجرات. فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في صحيح البخاري عن أنس ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه “
كما أن الإسلام حث على احترام الآخرين بغض النظر عن دينهم. لكن الإعلام الغربي شوّه صورة هذا الدين العظيم واحترامه للآخرين.
سادساً: ظهرت ثلاثة أنظمة اقتصادية معاصرة، وطبقت من كل دول العالم(الرأسمالي) (الاشتراكي) والمختلط، ولكنها لم تحل مشاكلها المختلفة، بل زادتها تعقيدا، وأدت إلى تداعيات كبيرة.
سابعاً: هناك ما يزيد على ملياري مسلم في العالم، وهم أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، التي يبلغ عدد دولها حوالي 57 دولة إسلامية عربية، وغير عربية لم تجرؤ أن تنادي بتطبيق النظام الاقتصادي في الإسلام لحل مشاكلها المختلفة، وبناء قوة اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وحتى عسكرية، ليتسنى لها إرجاع القدس الشريف، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فالمطلوب الآن إرادة قوية، وعقيده راسخة متمسكة بكتاب الله وسنة نبيه (علية السلام).
ثامناً: عالمنا هذا هو بأمس الحاجة اليوم إلى نظام صالح رشيد، بعيداً عن الاستغلال والغطرسة، والظلم، والاستكبار، والجشع من قبل الأنظمة الاقتصادية الثلاثة المعاصرة، التي تم تطبيقها من قبل دول العالم، فالنظام الاقتصادي الإسلامي نظام شمولي، وهذه ميزة انفرد بها عن غيره من الأنظمة الاقتصادية الوضعية (كالرأسمالية، والاشتراكية والمختلط) فأحكام النظام الاقتصادي الإسلامي تشمل الدنيا والآخرة، فهو يؤكد على تنمية المال، واستثماره في وجوه النفع والخير العام. كما حرم الاحتكار والاكتناز والجشع والطمع، وحرم التعامل بالفائدة (الربا)؛ لأن المال هو مال الله وأن البشر مستخلفون في هذا المال، يوجهونه إلى ما يرضي الله في خدمة عباده.
تاسعاً: يعد النظام الاقتصادي الإسلامي منهجاً ربانياً كاملاً للحياة البشرية، يتم تحقيقه في حياة البشر. ففي النظام الرأسمالي الحالي المال هو المسيطر على الإنسان، والإنسان مسخر لجمع المال، وخدمة أصحاب المال، فيصبح المال مصدراً لكل قيمة في المجتمع، وأما في النظام الاقتصادي الإٍسلامي هناك اختلاف جوهري، ومن أهم الأفكار والأسس والمبادئ العامة التي هي من روح الإسلام وتعاليمه، والتي ترتبط بتحديد أهم جوانب المشكلة الاقتصادية وعلاقتها المختلفة، ويمكن إيجازها فيما يلي:
أولاً: لا يقر الإسلام ندرة الموارد الطبيعية، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
” وآتكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ” (ابراهيم – آية 34)، ويعزو الإسلام المشكلة الاقتصادية إلى الإنسان نفسه بحاجاته ورغباته، التي يسعى إلى إشباعها، وإلى نوعية العلاقات الاقتصادية التي تحكمه، ونورد فيما يلي بعض الآيات الكريمة التي تبين نعم الله على الإنسان:
- ” يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (البقرة – آية 168)
يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون ” (البقرة – آية 172).
- “فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ” (الملك – آية 15)
ثانياً: يقر الإسلام مبدأ الحرية الاقتصادية للفرد، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، وإنما تحكمها مجموعة من القيود، بعضها ذاتي، ينبع من أعماق النفس، والبعض الآخر خارجي، أو هو موضوعي، وذلك وفقاً لروح الشريعة الإسلامية وتعاليمها وأحكامها.
ثالثاً: يعتمد الإسلام في تحقيق التوزيع العادل للدخل والثروة على مجموعة من الركائز والتعليمات، نورد منها على سبيل المثال لا الحصر.
- تحريم جميع أنواع الربا.
- تحريم جميع أنواع الاستغلال وأشكاله.
- تحريم الإسراف والترف.
- تحريم الغش والنفاق والخداع.
- فرض الزكاة وتحديدها نوعا وكماً.
- تنظيم المعاملات المالية والتجارية.
- تنظيم السوق والإنتاج والاستهلاك والإرث.
- تنظيم العلاقة بين العامل ورب العمل، والحث على العمل بجد، والتأكيد على مكافأة الله لمن يعمل بجد وإخلاص في الدنيا والآخرة
عاشراً: هناك أسس رئيسة للنظام الاقتصادي الإسلامي، يجب أن نعرفها نحن كمسلمين، تعدادنا ملياري نسمة، يمكن إيجازها فيما يلي:
1.إفراد الملك لله سبحانه وتعالي، واستخلاف الإنسان في ذلك.
إن أول ما يجب على الفرد المسلم اعتقاده – في شأن المال-أن يعتقد أن المالك الحقيقي لهذه الأموال، التي بين يديه هو الله سبحانه وتعالى، فهو يتصرف بها كيف يشاء، لأنه هو مالكها، وهو الذي خلقها وأوجدها، أما الإنسان، فهو مستخلف من قبل الباري (جل وعلا) في استخدام هذه الأموال وتنميتها، بالقدر الذي يمكنه من تحقيق عمارة الأرض، التي أستخلفه الله فيها.
والآيات الدالة على ذلك كثيرة ومتعددة: منها قوله تعالى ” (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) الأنعام – الآية 165
وقوله جل شأنه (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) هود – الآية 61 وقوله تعالى:
(وأتوا من مال الله الذي آتاكم) سورة النور – الآية 33
(آمنو بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) الحديد -الآية 7.
جاء في تفسير الكشاف في معنى الآية: (أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها، وخولكم للاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي أموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله، وَلْيهُنْ عليكم الإنفاق منها، كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه).
أما الإمام القرطبي فيعقب على هذه بقوله: (إنها دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله، فيثيبه على ذلك بالجنة، على أن يقول: (وهذا يدل على أن هذه الأموال ليست بأموالكم في الحقيقة، وما هم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب).
2.الإيمان بأن الله تعالى سخر ما في الكون لخدمة الإنسان ولمزاولة نشاطه الاقتصادي
وهذا يعني: (أن البيئة بما فيها من موارد طبيعية كالأرض، والماء، والنبات، والحيوان، والجماد، خلقها الله وذللها وسخرها للإنسان).
قال تعالى: (ألم يروا أن الله سخر لكم ما في الأرض، والفلك تجري في البحر بأمره)الحج – الآية 65.
وقوله تعالى (الله الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) ابراهيم – الآيات 31-34
وقال جل شأنه: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنه) لقمان – الآية 20
ويعني هذا الأساس أيضاً: (أن المخلوقات البشرية مسخرة بعضها لبعض كي تتمكن من العيش في نظام اجتماعي متعاون ومنظم، لكي تكون قادرة على استغلال هذه الموارد المسخرة لها، والانتفاع بخيراتها، لكي تقوم بدور بناء نحو مجتمع إنساني رفيع). وإلى جميع ذلك أشار القرآن الكريم، حيث يقول تعالى:
(نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات، ليتخذ بعضهم بعضا سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون)الزخرف، أيه (32)
ويقول سيد قطب في تفسير الآية: (إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض في كل وضع وفي كل ظرف، فالعامل مسخر للمهندس، ومسخر لصاحب العمل، والمهندس مسخر للعامل، ولصاحب العمل، وصاحب العمل مسخر للمهندس، وللعامل على السواء، وكلهم مسخرون للخلافة في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والأعمال).
3.الإيمان بالتفاوت في الرزق
ويعني هذا الأساس أيضاً: أنه يجب على الفرد المسلم الذي يباشر أي نشاط أو عمل، أن يسعى طبقاً لأوامر الله في الحصول على الرزق، ويرضى بما قسمه الله له، ذلك أن الله تعالى هو المقسم لهذه الأرزاق بين عباده، وفق حكمته وعدله وعلمه بها هو صالح لهم.
(نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) الزخرف – الآية 32
فمن الناس من لا يصلح له إلا الفقر، فإذا أغناه الله أفسد حاله، ومنهم من إذا قبض الله عنه الرزق فسد حاله (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبير بصير) الشورى – الآية 27
والأصل في تقرير هذا الأساس: قول الباري جل في علاه: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت ايمانهم، فهم فيه سواء. أفبنعمة الله يجحدون)النحل – الآية 27
وهذا التفاوت في الرزق لا يعني أبداً أن هناك تفضيلا لأحد أو تمييزا لفرد على آخر، وإنما يعني: أن هناك تفاوتاً في الإمكانات والقدرات المختلفة في الكم والنوع، من فرد لآخر، مما يترتب عليه التفاوت بينهم في الرزق، والحكمة في هذا التفاوت هي كما أخبرنا عنها القرآن الكريم بقوله تعالى:
(ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً)الزخرف – الآية 32.
4.الإيمان بأن مزاولة النشاط الاقتصادي عبادة
يجب على الفرد المسلم أن يؤمن إيماناً راسخاً بأن مزاولة النشاط الاقتصادي في ضوء أحكام الشريعة عبادة يثاب عليها، وأنه إذا ما تقاعس عن هذه الفريضة ولم يقم بأي نشاط، ولم يبذل أي جهد في سبيل ذلك، فهو آثم على فعله هذا. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى، عندما أنعم على الإنسان بهذا المال، ووضعه في يده وتحت تصرفه، نهاه عن خزن هذا المال واكتنازه، وحجبه عن أداء وظيفته الأساسية في إسناد وتوسيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تعود بالخير على جميع الأمة ـ وأمره بأن ينتفع بذلك المال، وسهل له الطرق، ووسع له مجالات الكسب الحلال، ونوع له طرق الاستثمار، وأتاح أمامه فرصاً واسعة وكبيرة للتصرف في هذه الأموال، والتوصل إلى الكسب الحلال.
وبذلك تتسع ميادين العمل، ويعم الرخاء بين أفراد الأمه، وتحل الأزمات الاقتصادية، وفي ذلك تلبيه للحاجات المادية اللازمة للجسد، وإشباع لحاجاته الزوجية أيضاً، وفوق ذلك كله فيه عبادة للباري يثاب عليها، قال عليه الصلاة والسلام: إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها الصلاة ولا الحج ولا العمرة، ولكن يكفرها الهموم في طلب العيش”
5.الإيمان بأن الإنسان سيحاسب على نشاطه في ميادين الحياة كافة:
يجب على الفرد المسلم أن يؤمن إيماناً مطلقاً بأنه محاسب على رزقة من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه ؟؟ ذلك لأن الله سبحانه وتعالى-كما سبق القول – هو المالك الحقيقي لهذه الأموال، وهو الذي استخلف عباده فيها، وفق معايير وقواعد يجب عليه الالتزام والتقيد بها، وهذه القواعد والمعايير وبمعنى أخص (الأحكام الشرعية) ستكون هي أساس المحاسبة في الآخرة، وسيجازي المرء وفق ذلك (إن خيراً فخير، وإن شراً فشر).
والأصل في تقرير هذا الأساس من أسس الاقتصاد الإسلامي، هو قوله تعالى:
(أن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى) النجم – الآيات (37-38). وقوله عليه الصلاة والسلام: ” إن المرء ليسأل عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه”.
6.الإيمان بأن الفرد مراقب من قبل الباري في كل عمل أو تصرف بما فيه نشاطه الاقتصادي.
فالفرد المسلم مراقب في كل عمل أو تصرف من قبل الباري جل وعلا، ولا شك بأن الإنسان إذا أيقن بهذا، فإنه سيتولد لديه سلوك ذاتي متميز، وهو يمارس كل أنشطته وأعماله في هذه الحياة، فالفرد المسلم يقوم بطرح الأمور، وعرضها على شرع الله قبل تنفيذها، فإذا كانت موافقة لأحكامه وقواعده قام بها، أما إذا كانت تتعارض مع تلك القواعد والأحكام، ولا تنسجم مع شرع الله، فإنه يمتنع عنها، ولا يمارسها. مهما كانت الأرباح الناتجة عنها.
والأصل في تقرير هذا الأساس هو قوله سبحانه وتعالى: (وهو معكم أينما كنتم، والله بما تعملون بصير) الحديد – الآية 4
وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه سيدنا عمر بن الخطاب حين سئل عن معنى الإحسان فقال: ” هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فهو يراك “ رواه مسلم
هذه هي أهم وأبرز الأسس التي يقوم ويرتكز عليها نظام الإسلام الاقتصادي ـ تلك الأسس التي ما إن تمسك بها الفرد المسلم، وهو يمارس نشاطه الاقتصادي-بل أنشطة الحياة كافة – حتى يصبح مثالاً يحتذى به في السلوك السوي والخلق الرفيع، مما يبعث روح الأخوة والتسامح والتكافل بين أفراد المجتمع كافة.
فالإنسان المؤمن ليس مطالباً بالتفرغ للعبادة والصلاة فقط؛ لأن لها أوقات محددة، وبعد انقضاء الصلاة، وجب على المؤمن أن يسعى في طلب الرزق دونما كسل أو اتكال. حيث يقول سبحانه وتعالى:
” هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور” الملك الآية (15).
فالأرض مسخرة للإنسان ولا تمنحه من خيراتها إلا إذا مشى وتعب، وأحسن استغلالها، واستخراج تلك الخيرات ظاهراً وباطناً، فيقول سبحانه وتعالى:
” وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” الجاثية، الآية (13).
وفي الختام، أردت إبراز هذه الحقائق لحياة أفضل، وتقدم وتطور أقوى للإنسان المسلم خاصة، وغير المسلم عامة، لمعرفة قدرة الله سبحانه وتعالى مالك السماوات والأرض والإنسان مستخلف على هذه الأرض. ويتطلب من الإنسان بذل الجهد المتواصل لتحقيق الأهداف النبيلة له ولسعادة البشرية.
وفي نهاية هذه الدراسة، يمكن إيجاز أهم خلق وسلوك المسلم في نشاطه الاقتصادي ومعاملاته في الآتي:
- الأمانة والصدق.
- المسامحة في المعاملات، أي سهولة التعامل وتيسير المعاملات.
- المعاملة في الطيبات، والبعد عن المحرمات.
- الاعتدال في الربح والقناعة.
- الاحتياط والمحافظة على الموارد، التي يمتلكها، وعدم التبذير والإسراف.
فالنظام الاقتصادي الإسلامي شامل وكامل، ولا يتجزأ، ولا توجد دولة الآن تطبق النظام الاقتصادي في الإسلام، علماً بأن هناك -حسب ما ذكر سابقاً في الدراسة -حوالي سبعة وخمسين دولة إسلامية (عربية وغير عربية) وتعدادها ملياري نسمة الآن. نسأل الله العفو والعافية والهداية الحقيقية. أي التمسك بكتاب الله وسنة محمد (صلى الله عليه وسلم) لتكون أمه إسلامية قوية في شتى مجالات الحياة، والله ولي التوفيق.
أ.د حربي محمد موسى عريقات
كلية العلوم الإدارية والمالية
قسم العلوم المالية والمصرفية
جامعة البترا