حلت ذكرى رحيل الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب (25 ديسمبر1926 – 24 ديسمبر1964)، ضيفا في جامعة البترا من خلال رحلة فكرية لقسم اللغة العربية، بدءا من مظاهر ابداعاته الفنية والفكرية، مرورا بمحاولات التغلب على مصاعب المحيط في بناء القصيدة العربية والتحرر من قسوة متطلباتها المعمارية القديمة بما يجعلها قادرة على إخراج ثقافة الإنسان من اطر حياة سياسية صعبة ومعقدة وعنيفة، وانتهاء بمرضه وموته النفسي الذي قيده
رأينا خلال الرحلة، ان السّياب كان رائدا من رواد الحداثة في عالم الشعر العربي المعاصر، بدءاً من ديوانه الأول ـ أزهار ذابلة وقصيدة ـ أنشودة المطر، التي خرج فيها على عروض الفراهيدي فكان من أبرز الشعراء العرب الذين حرروا القصيدة من أشكالها التقليدية الموروثة، جاب الآفاق بعزفه الفريد، فارساً مجدداً في الشكل والمضمون، فكانت قصيدة الحداثة، الوافد الجديد مع من بدء قبله أو بعده أم ممن عاصروه إبداعيا، كانت قصيدة السياب الحرة خارج العمود الشعري الصارم إيذاناً بالانتقال بالقصيدة العربية من الموسيقى المؤطرة إلى العالم الفسيح فكانت ـ أنشودة المطر ـ تاريخاً جديداً للشعر العربي المعاصر، تناول النقاد شعره بالإسهاب برغم الجدل الذي أثارته هذه المدرسة الجديدة الصاعدة.
وصف النقاد ثقافة شاكر السياب بأنها (ثقافة حسية)، ثقافة ذاتية هدفها الأول هو التغلب على مصاعب المحيط في بناء القصيدة العربية والتحرر من قسوة متطلباتها القديمة بما يجعلها قادرة على إخراج ثقافة الإنسان من اطر حياة سياسية صعبة ومعقدة، كما بدا له ولكثير من الأدباء والمثقفين الآخرين، ويجمعون النقاد كذلك على أن الشيء الوحيد الذي كانت تتضمنه تجديدات الشاعر العراقي بدر شاكر السياب أنه أوجد حراكا ثوريا في الشعر العربي كله، محققا تلاقيا واستجابة لما كان عليه الشعر في العالم الغربي حيث كان الشاعر الألماني كلوبستوك أول شعراء أوربا ممن جاءوا بأسس(الشعر الأوربي الحر) المتمرد على النظام الشعري القديم، المتحرر من استخدام القوافي والأوزان التقليدية في بعض قصائده.
تغيرات حدثت في شكل ومضمون القصيدة عند السيّاب، كانت انعكاساً لتغيرات جذرية حصلت في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للإنسان فاصبحت القصيدة معبرة عن مدى تفاعل مبدعها مع مجمل الظروف الراهنة.
لاغرو ان يختار اتحاد الأدباء والكتاب ان يكون عام 2014 عام السيّاب في ذكرى رحيله الخمسين ، ذاك كنه شاعرمزيج من اليأس والشعر، شاعر الحداثة والتغيير
ومثل الكثير من العباقرة في التاريخ الذين عاشوا عمرا قصيرا ترك السياب اثرا رياديا في الشعر العربي الحديث ، تأثر وسيتأثر به الكثيرون .. وكتب وسيكتب عنه الكثيرون
مرض غامض لم يمهله كثيرا، لم يجد له الاطباء شفاء وكان هذا المرض كفيلا بأن يضاعف حساسيته وقلقه واضطرابه ، أصيب بالشلل ومكث يستجدي زملاءه وأصدقاءه فلم يجيبوه حتى مات في الكويت عام 1964م ، تاركا لنا شعرا غزيرا مليئا بالرموز، والأساطير، والانحرافات الفكرية والسلوكية، شعرا يلامس الواقع الذي عاشه بحرارة ويحكي ظروفه الخاصة .