منبر البترا
مقالات

(إِشْهــار بــراءَهَ)

منبر البترا -بقلم د.فارس بدوي

إلى : المدعو/ فارس بدوي …. بِنْ عربي

تحية غير طيبة وبعد ،،،

فلنْ أبدأ رسالتي إليك بالسلام عليك، فأنتَ (كأُمَّتِك) لم تنعمْ به في حياتِك. وأؤكد لك أنك لن تنعم به أبداً ما دُمْتَ وأمتُك على هذا الحال. أما الهدف من هذه الرسالة، فهو إبلاغُك بقراري إعلان البراءَة منك. وأسبابُ ذلك كثيرة، مِنْها:

أولا : لنبدأ بإسمِك. فقد أسمْوكَ “فارس”. ولكن، هل تملك من الفروسية شيئاً ؟ فالفارس يكون مقداماً، شجاعاً، ناصراً، منتصراً. أما أنت (كما هي أمتك) فمذَمومٌ، مدحورٌ، مقهورٌ، مهزوم. كذلك، فإن إسم عائلتك “بدوي” لا يليق بك. فالبدوي يمتاز بالشهامة والكرامة والنخوة. ولكنك وأمتك إِنْبطاحيون، إِسْترضائيون، لا تَنْصرُون، ولا تُنْصرَون.

ثانيا : أما جِسْمُك، فهو كأمتِكَ واهنٌ عليل، لا رابط ولا انسجام ولا تناسق بين أعضائه (غير الفاعلة أصلاً). بَشَرتُكَ لَوْنُها مُحيرَّ. فهي ليستْ بيضاء أو سمراء أو شقراء أو صفراء. تضاريس وجهك تشبه الأرض العربية (البُور)، وهو (لا يضحك للرغيف السُخنْ). أما شَعْرُك، فغزارةٌ في الإنتاج وسوءٌ في التوزيع (تماماً مثل الثروة في وطنك)، وتزداد مساحة صَلْعَتِك كل صباح كازْدياد التصحُّرِ في وطنك. صَوْتُك (كَصَوْتِ أمتك) غير مسموع على جميع الأصعدة. يداك قصيرتان، ودائماً (حاطِطْهُم بِميّه باردة). رِجْلاك لا تستطيع الوقوف عليهما، (فتبقى قاعداً، واذهب وأنت وربك فقاتلا) لأنهما (إجِرْ لَقُدّام وإجِرْ لَوَرا). أما الأذنان، فلا يستطيعان سماع أي نداء: لا نداء الوطن، ولا نداء الواجب، ولا نداء وامعتصماه، فهما (ذان من طِين وذان من عَجين). عَيْناك لا (يشوفان النور) ولا تُستعملان إلاّ لِذَرْفِ الدموع (على حالِكَ وحال أمتك). أما دِماغُك فمتخصصٌ بذكريات الَـهمِّ والغَمِّ فقط، ولم يتقدمْ أحدٌ لاستئجاره عندما أعْلنتَ عن ذلك (دماغ بدوي للإيجار) في هذه أل (أوراق جامعّية).

ثالثا : إن لُغتَكَ ولهجتك متقلِّبة ومتغّيرة حسب المستمع. فعندما تتَحدَّثُ مع والدتك، فأنت تستعمل اللغة الفلاحّية الصرفة، فتقلب الكاف إلى (تش)، والقاف إلى (ك)، والضاد إلى (ظ)، والذال إلى (ظ) ومعظم الكلمات التي تخاطبها فيها لا يُعرْفُ لها أصل أو فصل مثل : (وَلَكْ) (بِدِّيش)، (قَدِّيشْ)، (لِيشْ). وعندما تتحدث مع أولادك، فإنهم لا يفهمون ما تحكيه لوالدتك، فتغيّر اللغة لتصبح لغة ال (Digital) وال (Web) . أما خارج بلدتك، فإن لغتك تنقلب إلى اللغة المدنِيّة (الآل وأُلنا) حيث تصبح القاف (ء) ، والذال (ز) والثاء (س) وهكذا. ولكن إذا وُضِعْتَ أمام مثقفين فتصبح لغتك (EngloArabic) . أما إذا كنتَ أمام مجتمع علمي فتتحدث الإنجليزية. وإذا صدف أن دُعِيتَ إلى إلقاء خطاب (في جاهة مثلاً) أو كتابة مقال (كهذا)، عندها وعندها فقط تلجأ إلى اللغة العربية الفصحى.

رابعا : أنت عديـم الفائدة لأمتك ووطنك. صحيح أنكَّ كُنتَ من الأوائل طيلة مراحلك الدراسية، وصحيح أنك حصلتَ على منح دراسية في خضوري وفي الجامعة الأمريكية في بيروت وفي جامعة كنتكي، من الحكومة الأردنية ومن ال (USAID)  ومن جامعة كنتكي ومن أرامكو ومن (US Air Force) ومن (Royal Institute of Technology- Sweden) ، وصحيح أيضا أن أبحاثك في مجال تخصصك (في الرياضيات) في (Optimal Control Theory)، وبالأدقّ في المعادلات اللازمة لل (Feedback Control) ساهمتْ في تحسين الحلول لمسألة “The Moon Landing Problem” التي تهدف إلى إيِصال مركبة إلى القمر بأقل كمية من الوقود وإنزالها على سطح القمر بأقل سرعة ممكنة دون ارتطام، ولكن هل استفادتْ أُمتكَ من أي شيء من هذا ؟

خامسا : إنك تنتمي إلى وطن يُباع فيه مالا يُباع، سواء ما يملكونه أو ما لا يملكونه، وإلى أمة خرجتْ من مسيرة التاريخ. فوطنك محطة لتوليد الدموع. وأضحى لا يصلح إلاّ لزراعة المتفجرات وخيم اللاجئين والمقابر. ولا هلال فيه سوى الهلال الأحمر، ولا صليب فيه سوى الصليب الأحمر. وأنت فيه مواطنٌ بالمقلوب.كذلك فإن أمتك تأكل مما لا تزرع، وتستهلك مما لا تصنع. أمة مستهلِكة ومستهلَكة. أمة تقتني المرسيدس وهي لا تستطيع صناعة برغي فيها. أمة تقتني البانيو فقط (لِلفَشْخَرة)، فهي لا تستطيع استعماله لعدم توفر الماء، وإذا استعملتْ ال (Shower) فيه، زحَلقتْ وانكَسَرتْ. أمة تستخدم الكمبيوتر، ولا تستطيع أن تخترع منهُ، وبهِ، ولهُ، شيئاً.أمة تتلهَّى بالمعلومات وتكنولوجيا الحصول عليها، بينما الأَوْلى أن تتسلَّح بالمعرفة وتكنولوجيا اكتسابها. فالمعرفة هي التي تُدِرُّ المال، وهي التي تصنع السلاح. وأمتكُ لازالتْ تتغنَّى ب (ونشربُ إنْ ورَدْنا الماءَ صَفْواً ويشربُ غيرُنا كَدَراً وطِيناً) و(سأصطادُ لكِ يا ليلى الميراج بِخنْجرَ). وفي أمتكَ (الطَربيَّة)، العربي يقتل عربياً وتقرُّ عينه. المقتول شهيد بإذن الله، والقاتل مشروع شهيد بإذن الله أيضا، والجنَّةُ لهما لاحقاً، فأنتم وكلاؤها الحَصْريون… وبعد كل قَتْلٍ قَتْلاً. أمتكَ تعيش تحت السطر بين مَوْتَين : ما قبل الولادة وما بعد الوفاة. ويتفتَّقُ عنها في كل يوم من كل جهْلٍ جَهْلاً.

وبناءً على ما تقدم، ولكل هذه الأسباب، ولأسباب غيرها لا أستطيع الإفصاح عنها، فإنني أعلنُ برائَتي منكَ، لأنكَّ (لا لِلّسَدِّه ولا لِلّهدِّه) أي (لا فيِشْ ولا عَليشْ).

 

 

Related posts

متى يُزهر العمر؟

مسيرة أمل- بقلم:أ.د.تيسير أبو عرجة

كورونا … لا للتهوين ولا للتهويل

admin user

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com