منبر البترا
مقالات

الستيني والطائرة

منبر البترا -بقلم هيا عاشور:

ذهبت يوماً لشراء (لعبة) لإبني الصغير “علي”، فرأيت رجلاً يبدو في بداية الستنيات من العمر، ينتقي لعبة ، لست أدري أهي لولده أم لحفيده،فإذا بصاحب المحل يسأله :كم عمر الولد؟

الرجل الستيني يقول وهو يعبث بأحد أجهزة التحكم للعبة طائرة هليكوبتر ، يُطيرها إلى الأعلى ويُنزلها : “عُمره سنتين !”

قال صاحب المحل : “عمّي” ..هذه الطائرة لا تصلح لطفل في الثانية من عمره، “تعال شوف هدول الألعاب.”

والرجل الستيني،مازال يلعب ويتحكم بالطائرة، ويجيبه :” هات أشوف،” فأراه لعبة الأحرف والأشكال والحيوانات،تلك التي تنطق بكل إسم حيوان عند لمس مُجسمه . فاستمر الرجل باللعب بطائرته.

فنفذ صبر البائع من الرجل “الكابتن” الذي يحلق بالطائرة الهليكوبتر وقال مجدداً:”عمّي بتنفعش هي الطيارة للصغير، شو بدك أورجيك.”

فقال الستيني :” شوف المناسب، وأنا بدفع، واتركني أطير الطيّارة، أحكيلك اسأل الست الواقفة هناك،بتشتري لعبة ، أكيد عندها أولاد.”

فاتجهه البائع نحوي وقال :” مدام ..كويسة هي اللعبة لولد عمره سنتين.”

فقلت بعد أن تفحصتها :” نعم مُناسبة ، فليتأكد فقط أن الطفل لا يملك لعبة مثلها. ”
وهنا عاد البائع للستيني وهو مازال مستمراً في اللعب ومشغولاً تحديداً بإصطفاف الهليكوبتر ، وقال له :” عمي ..قالت اللعبة كويسة ، الفّها هدية ؟”

قال :” كيف عرفت أنها مناسبة ؟”

وكنت قد إقتربت من مكان الدفع وأنا أرقب الرجل والفوضى التي أحدثها بالمحل ،فأجبت وأنا أمسك علبة اللعبة :” ها هي ..مكتوب لعمر السنتين ”
ثم أمسكت بعلبة الطائرة الهليكوبتر التي يُطيرها الرجل ، وقرأت عليها 4+ ،

فقلت :” وهذه الطائرة بداية من عُمر 4 سنوات ، إلى أن يشاء الله ، حلوة كتير !”
فنظر الرجل إليّ وهو يلامس تجاعيد وجهه، فأنزلت على وجهي (قِناع منحوت بجدية )

فبدأ يقول وهو يلامس بأطراف أصابعه أنفه ، فشعرت ببداية كذبه ستنطلق، وقال :” عمي ..أنا عندي حفيد أكبر ، أشتريها اله ؟”

فقلت بجدية :” إشتريها لك ، تُعجبك ، ولم يكن على زماننا طائرات هليكوبتر تطير. ”
نظر الستيني إلى وجهي مُبتسماً لأني جمعت بكلمتي (زماننا ) زماني وزمانه .

وأشرت بيدي للعبة ورق جماعية أشتريتها لي (أونو) وقلت :” اللعبة لإبني والاونو لي ، رجعت الشتوية، وأحب أن العب أونو مع الصغار، وماحدا عارف، والي بيعرف قرعة جدنا ،يعايرنا عمي !! اشتريها مادامك مبسوط عليها !”

فقال:” يابنتي بعد ماشاب ودوه الكتّاب ، بصير مضحكة للناس ، كبرنا خلص ،بدنا نأخد زمانا وزمان غيرنا .”

فدفعت ثمن أغراضي وهممت بالخروج وأنا أقول :” نعم تمر السنوات ، لكن قلوبنا لا تشيخ ..يشيب الرأس، والروح لا تشيب !”

فخيل الي أن الرجل حسب أني أمه وسمحت له بشراء لعبة ،وقال مُنفعلاً :” هيك قولك ؟”
فهززت برأسي موافقة وخرجت،وأنا أتمتم :” الأطفال بداخلنا لا تكبر أبداً”..

 

 

Related posts

حيـاة الطالـب الجامعـي

هل ستنجح عمليات الإصلاح السياسي بدون علاج للمنظومة الإعلامية

Admin User

واسيني الأعرج في جامعة البترا

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com