منبر البترا
بترا سكوب

Bird Box فيلم يحاكي رحلة البصيرة

منبر البترا- رؤية عدي صدقه

حذرت شبكة نتفلكس في الثاني من يناير من العام الحالي من تحد كان انتشر على منصات التواصل الاجتماعي ، يقوم التحدي باقتباس فكرة الفيلم الذي حقق مشاهدات واسعة خلال عرضه على شبكة نتفلكس ، حيث ينبري شخص او مجموعة من الاشخاص لادء مهام معينة بصورة معينة بعيون معصوبة ، اثارت مخاطر هذا التحدي نداءات واسعة حذت بالشبكة التي انتجت الفيلم الى التحذير من مغبة القيام به ، لما يحمله من مخاطر على الانسان ، ولكن كيف حرض فيلم سينمائي على فعل كهذا ؟

تؤثر المشاهد البصرية في زمن الصورة على الوعي الانساني بشكل عميق جدا ، وخاصة اذا كان المتحكم بالعملية البصرية مخرج عبقري يستند في معالجته للصور على سيناريو مبدع وبالاعتماد على اداء قوي من الممثلين الذين ينبغي ان يكونوا بقدر العبقرية البصرية من حيث اداءهم للمشاهد ، يحقق الفيلم هذه الثلاثية المبدعة ، وشكل خلال فترة قصيرة حالة من الهوس لدى المتابعين دفع بهم الى تجربة اداء التحدي رغبة منهم بمعايشة الشعور الذي يعتري انسانا يخوض صراعا شرسا للبقاء على قيد الحياة بتغييب واحدة من اهم الحواس البشرية ، حاسة البصر .

دون دراية واضحة ، ولا ادنى ادراك لطبيعة ” الكارثة ، المرض ، الحالة ، العدوان ، الهجوم ” اختر ما شئت من هذه المفردات ، وربما تسعفك اللغة بالمزيد منها ، يخوض مجموعة من البشر في مشهد سوداوي بحثا عن اجابات لما يدور حولهم ، وسعيا للنجاة بانفسهم من ذلك العدو الغامض الذي يجتاح العالم وتسبب بهلاك الملايين منه ، من بين هؤلاء تبرز بطولة المرأة وتتطور شخصيتها تحت ضغط الظرف الطارئ الخارجي ، والعوامل الداخلية ، وحالة من التيه يدور فيها ابطال منفصلين جمعتهم غريزة البقاء على قيد الحياة ، المرأة التي برعت في تجسيدها الممثلة ساندرا بولوك ، الملهمة والمبادرة ، المخطئة احيانا ، المصيبة احيانا اخرى ، العاطفية المترددة ، ولكنها فوق ذلك كله الام

في تلاعب ذكي من مخرج الفيلم في ادوات السيناريو والحوار والاحداث ، يفرد الفيلم احداثه على ثلاثة مشاهد رئيسية ، لكل منها رمزيتها الخاصة ، وبين هذه المشاهد الثلاث ثمة اجزاء اخرى تضاعف منسوب الاثارة لدى المتابع وتشده حتى الزقزقة الاخيرة ” سنشرح ذلك ” في نهاية الفيلم ، في المشهد الاول ، يقود بالمحصلة للمشهد الرابع ، ويمكن اعتبارهما معا مشهدا واحدا ، امرأة شقراء تتحدث بنبرة حادة جدا تكاد تحسبها عدوانية حتى ، امام طفلين صغيرين ، بلغة قوية تبدو الام كأنها تشرح تفاصيل خطة اجرامية او مهمة معقدة ، لاشخاص واعيين ومدركين ، الا ان المفاجئ ان كل ما تفوهت به المرأة هو لطفلين بالكاد يفهمان ما تقوله ، المشهد الثاني ، حالة من الهلع تصيب المكان بينما تتابع نشرات الاخبار حالة غرية تنتشر في روسيا ، اعداد ضخمة من الناس تنتحر بطرق غريبة ومفزعة دون اي تفسير علمي لما يحدث .. المشهد الثالث ، وهو الامتداد للمشهد الثاني ، البيت الذي يحوي مجموعة البطولة ، ينشب فيها صراعا بين عناصر المكان ، وجهات نظر مختلفة ، اسئلة وشكوك وحوارات ، وجرائم وانتحار ، وحب وامومة .  تتطور المشاهد الثلاثة بصورة مذهلة لتصب اخيرا في مشهد رابع هو الحلقة الفاصلة بين النجاة والحياة ، بين الهلاك والظلام ، يتكون هذا المشهد من المرأة المضطربة ، والطفلين ، وصندوق عصافير ، يقطعون طريقا شائكا في نهر عبر قارب متواضع لا يضمن غدر الماء ولا يقي من الاعداء المحتملين .

صندوق العصافير والفيلم ، دون ادنى شك يشكل عنوان الفيلم جزءا مهما في بنيته وبطبيعة الحال بطريقة فهمه ، الا ان هذه العلاقة مغايرة في هذا الفيلم ، لا يشرح الفيلم اسباب التسمية النهائية ، ولا يفكك رمزية وجود العصافير في الفيلم ، والذي ينتهي بمساحة شاسعة من العصافير التي تزقزق للضوء ، مما يدفع لمزيد من الاسئلة بذهن المتابع حول العلاقة بين الثيمة والخاتمة ، اسئلة اخرى لم يجب عنها الفيلم ، اذ ما الذي يراه الانسان ، ويفجعه الى حد جعله يفقد تلقائيا القدرة على السيطرة ، وينتحر ببساطة ، جميل ذاك الشيء ام قبيح ؟ وما هو تعريف الجمال بحسب منظور الفيلم ، اذ يصر مجموعة من المضطربين عقليا الذين ظهروا في الفيلم على ان ذلك الشيء الذي يدفع بالانسان الى الانتحار هو جميل ومدهش وعلى الناس

جميعا ان يروه ، يقول الشاعر الفرنسي عن الجمال : ” إنه شيءٌ ما متأجج وحزين، شيء ما غير محدد، يفسح المجال للتخمين ” فهل يحاول الفيلم اثبات هذه النظرية ، الى ذلك يبقى فيلم بيرد بوكس احدى الافلام المبدعة الجميلة والغامضة ، غموضا لا يفوقه سوى تجربة القيام بالمشي وسط الادغال , او قطع نهر ، او اداء مهمات ابسط ، بعيون معصوبة ، وذلك ربما ما حرض متابعي الفيلم على تقمص دور البطولة فيه في حياتهم الواقعية .

Related posts

انقلاب العمر Breaking Bad

مسلسل تشيرنوبيل .. ثمن الأكاذيب

La casa de papel دراما إسبانية فرضت نفسها

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com