منبر البترا- رؤية عدي صدقه
LA CASA DE PAPEL
حصد المسلسل الاسباني الشهير ” LA CASA DE PAPEL ” اهتمام واعجاب المتابعين العرب حذا البعض افتنانا بهذا المسلسل الى اعتباره ” الافضل بالتاريخ ” ، باسلوبه الجديد قدم المسلسل الذي انتجته شبكة نتفلكس الامريكية مقاربة جديدة للجريمة باعتبارها حالة نفسية محرضة على التمرد وسط واقع يعاني من تشوهات الرأسمالية والصراع الازلي بين الكادحين واصحاب الاموال .
ما يميز العمل الاسباني ، تبعا لمعايير النقد التلفزيوني ، ليس فقط التزامه بخاصية التشويق منذ اللقطة الاولى ، وليس الطريقة المحكمة التي تنفذ فيها عناصر الجريمة خطة موضوعة على اساس عال من الدقة والتخطيط ، فاخراج اللقطات كان ساحرا ، اضافة للانتقال من مشهد لاخر ، وطريقة عرض الشخصيات ، والحبكة التي تظل تشد المتابع في كل حلقة منذ الدقيقة الاولى وحتى الاخيرة ، اضافة لتطرق السرد والحوار لقضايا ثقافية وسياسية واجتماعية ، وتطرقه كذلك لمقاربة الجانب النفسي للانسان في ظل ظروف معقدة تختلط فيها الحب والجريمة والعنف والنرجسية في قالب فني جدير بالاشادة ، كما كان لاداء الممثلين ادوارهم بشكل مذهل عنصر جذب مهم للمتابع .
الوقت .. اتركه يمضي
خطة عبقرية لاقتحام دار السك الملكية الاسبانية ، المنشأة المختصة بطباعة النقود واصدارها ، يشرحها ” البرفسيور ” كما عرف نفسه ، لفريقه الذي ينتقيه وفق معايير معقدة ووسط قوانين شديدة الصرامة تتعلق بالعلاقات الشخصية والتعامل مع الموقف الظرفي .. للوهلة الاولى ، تبدو ان فكرة العمل قديمة وشاهدها المتابعون بمئات الافلام والمسلسلات الاخرى ، الا ان البدء مباشرة بتنفيذ الخطة وفي الحلقة الاولى ، يجعل المتبع مشدودا لما بعد الخطوة الاولى ، لا تقتصر خطة البروفسور على اقتحام المبنى المستهدف ، وانما تربط الخطة نجاح العملية بالقدرة على اطالة فترة وجود فريق التنفيذ داخل البناية ، بينما يقوم العقل المدبر بالتفاوض مع الجهات الامنية ، وهكذا يقلب السيناريو مفهوم الوقت لدى المجرم ، بحيث يتحول الوقت من عامل ضاغط على منفذ الجريمة ، الى استثمار يؤدي الى نجاح التنفيذ ، يبدو على نحو ما كأن الوقت هو عرضة للسرقة ايضا .
اكثر الخطط عبقرية تفشل
رغم ارتكاز بنية عمل المسلسل على مفهوم الخطة وتفاصيلها ومراحل تنفيذها ، الا انه بصورة مثيرة يلمح الى ان فكرة انك مهما بالغت بالاعداد لخطة ودرست كل ظروف نجاحها ، والسيناروهات الموضوعة التي تترنح بينها خطتك ، لابد ان أصغر الثغرات قادرة على ان تودي بخطتك في مهب الريح ، تبدو خلال حلقات المسلسل ان الخطة تتهاوى في لحظات وتتماسك في لحظات اخرى ، وبين موقفية الاحداث التي تطرأ على الابطال تتبدل ارائهم وقواعدهم ومبادئهم حتى ، مما يجعل الخطة التي بذل عليها البروفسور الطاقات والجهود عرضة للسقوط بأي لحظة نتيجة الانقلابات النفسية التي يمر بها المنفذون وسط ظروف معقدة .
شرعنة الجريمة
تجسد الاعمال الفنية الواقع ، وتسعى لتقديمه بصورة متجددة في كل مرة ، واثر التطور المهول الذي طرأ على صناعة الافلام والمسلسلات والتنقيات الحديثة التي دخلت على خط الانتاج ، كثرت الاعمال التي قاربت موضوعات مختلفة من وجهات نظر محتلفة ، ولعل ابرز ما يحفز كتاب السيناريو والمخرجين على انتاج الاعمال هو موضوع الجريمة ، كونه موضوع راهن متجدد يتشابك فيه الجانب النفسي مع جوانب سياسية او اقتصادية او اجتماعية او كلها سوية ،على الرغم من ذلك واتساع فكرة الجريمة ، الا ان الاعمال التي عالجتها كثيرة ما جعلها تبدو في بعض الاحيان طرحا مستهلكا ومشبعا ، الا ان العمل الاسباني الذي فاقت شهرته المملكة الاسبانية وصولا لانحاء العالم يقدم مشهدا جديدا للجريمة المنظمة .
ليس غريبا ان يسعى المجرم اثر التحفيز النفسي الداخلي ان يبرر لنفسه ما اقترفه من جرم ، وذلك ما يمكن ان نستخلصه من رواية الجريمة والعقاب للكاتب الروسي ديستوفيسكي ، تقدم الرواية مشهد الجريمة والحالة النفسية التي يظل يتقلب فيها منفذ الجريمة بين العار والخزي ، وبين البطولة والشرف ، في هذا العمل ، تختلف التبريرات والمسوغات المستخدمة لشرعنة جريمة اختطاف وسرقة كهذه ، وكون الجريمة منظمة ومحكمة من حيث التخطيط و ترتكز على الصبغة الجماعية فان الحاجة لاضفاء الشرعية على الجريمة ملحة ، وذلك ما يقوم به العقل المدبر في محاولة منه لوأد اي نزعة ضعف قد تبدو على احد افراد الفريق ، وذلك باستخدام الفن مرة ، وتحديدا باستحضار روح المقاومة في الاغنية المشهورة والتي زادها المسلسل شهرة bela ciao ، وهي اغنية ايطالية مشهور استخدمتها قوى مناهضة للنازية لتحفيز حالة المقاومة والصمود ، وباستخدام اللغة وتحوير المصطلحات مرة اخرى ، باعتبار العملية كلها تنصب في سياق المقاومة المشروعة لواقع الفقر والعوز في وقت تتحكم فيه البنوك والجهات المتحكمة في المال بقوت الناس وحياتهم الاقتصادية
جسد مسلسل LA CASA DE PAPELالصراع الطبقي المعروف منذ الاف السنين ، بين فئة تتحكم بالمال والاعمال ، وطبقة اكبر حجما واكثر اتساعا تعاني من تحكم الفئة الاولى برأس المال وانشطة العمل ، جسد المسلسل النزاع بطريقة تجعل المتابع ينحاز الى الخاطفين ، منفذين جريمة السرقة ، بكيفية يريدها كاتب السيناريو والمخرج ، يغير المتابع مفاهيمه عن الشر والخير ، بين الجريمة والفضيلة ، وهو ما يعيبه البعض في المسلسل الاسباني ، كونه يحرض على الجريمة ، او يشرعنها على الاقل ، في تسويغات التمرد والرفض ، وهو ما يدفع البعض للتساؤل حول الاهداف الدعائية للعمل الدرامي والفن عموما ، قد يكون العمل بحد ذاته عملا فنيا يستحق المتابعة والاشادة ، الا ان المرجو منه هو الاستفادة لا التأثر ، فيظل العمل قصة من خيال مؤلف وتنفيذ مخرج ، ولا تمت للواقع حتى لو شابهته .