حكاية من فلسطين – معاناة سكان حي الشيخ جراح بالقدس
ملك خلدون موسى – كلية الإعلام
لقد شكل الاستيطان على مدار السنين طرد عائلات عنوة من بيوتهم و أراضيهم لأطماعهم في التوسع و تسبب الاستيطان في تقليص مساحة فلسطين المحتلة حيث يستغل الاحتلال من الأراضي أكثر من 85% من المساحة الفعلية و لم يبق للفلسطينيين سوى 15% فقط من مساحة فلسطين المحتلة، كما يزيد من استمرار معاناة الفلسطينيين منهم الصامدون أهالي حي الشيخ جراح .
الاحتلال أقر 13 مخططا استيطانيا في القدس خلال العام الماضي- جيتي
– أولا بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين :
ويمكن تقسيم الاستيطان الصهيوني في فلسطين حتى عام 1948م إلى مراحل تمت في العهد العثماني، وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، ومراحل أخرى تمت بعد تأسيس الكيان الإسرائيلي (إسرائيل) في 15/5/1948م، وما تزال مستمرة حتى الآن، ويمكن إجمالها في المراحل التالية :
المرحلة الأولى :- مرحلة الدولة العثمانية، وتحديداً منذ انعقاد مؤتمر لندن عام 1840م، بعد هزيمة محمد علي، واستمرت حتى عام 1882م. إلا أن مشاريع هذه المرحلة لم تلق النجاح المطلوب بسبب عزوف اليهود أنفسهم عن الهجرة إلى فلسطين، والتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الانخراط في مجتمعاتهم، ومن أبرز نشطاء هذه المرحلة اللورد شافتسبوري، واللورد بالمرستون، ومونتفيوري واستمرت هذه المرحلة حتى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920م .
المرحلة الثانية :- مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى قيام إسرائيل، وفي هذه المرحلة بدأ الاستيطان الفعلي في فلسطين، حيث تم تكثيف عمليات استملاك اليهود للأراضي الفلسطينية، وتدفق الهجرة اليهودية، حيث شهدت هذه المرحلة الموجات الثالثة والرابعة والخامسة من الهجرات اليهودية .
المرحلة الثالثة :- وبدأت منذ إعلان قيام إسرائيل وحتى عام1967م، وفيها تمكنت إسرائيل من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، والاستمرار في مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات لاستقبال المهاجرين الجدد باستمرار .
المرحلة الرابعة :- هي مرحلة التسوية السياسية وتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993م، فقد تسارعت حركة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، واستمرت أعمال تسمين المستوطنات توسيعها وصولاً إلى إقامة جدار الفصل العنصري، الذي سيطرت من خلاله إسرائيل على أكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية .
– قصة حي الشيخ جراح (الذي يتهدد بالاستيطان) :
حي الشيخ جراح الذي يقع شماليّ البلدة القديمة في شرق القدس المحتلّة، ذي يعتبر أهم مفاتيح و مداخل القدس الشمالية، و الذي يتهدده الاستيطان بأكمله، و جميع أهالي هذا الحي لاجئون هاجروا عام 1948 من مناطق مختلف من فلسطين المحتلة و قضية هذا الحي هي من أطول و أقدم القضايا في المحاكم الإسرائيلية و موقع الحيّ هذا هو السبب الرئيس وراء الهجمة الاستيطانيّة الحاليّة عليه، فهو من وجهة نظر الاحتلال يفصل الجامعة العبريّة عن المحيط اليهوديّ، ويُشكّل عائقاً للتواصل الجغرافيّ اليهوديّ بين غربيّ القدس وشرقها .
و في عام 1956 تم الاتفاق بين الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة الانشاء و التعمير وكالة غوث و تشغيل اللاجئين الأونروا على توفير المسكن ل28 عائلة لاجئة في حي الشيخ جراح، حيث وفرت الحكومة الأردنية الأرض، و تبرعت وكالة الغوث بتكاليف إنشاء 28 منزلا مقابل تخلي العائلات عن بطاقة الإغاثة لصالح وكالة غوث .
حيث وفرت وزارة الانشاء و التعمير الأردنية الأرض و بناء المنازل التي تحملت وكالة غوث تكاليف البناء . و أثناء ذلك حصل عقد بين وزارة الانشاء و التعمير و العائلات الفلسطينية عام 1956 و الذي من أهم شروطه قيام السكان بدفع أجرة رمزية على ان يتم تفويض الملكية للسكان بعد انقضاء ثلاث سنوات من البناء،
لكن حرب حزيران عام 1967 حالت دون متابعة تفويض الأرض و تسجيلها بأسماء العائلات .
و بعد احتلال القدس عام 1967 وضم شطرها الشرقي للسيطرة الإسرائيلية؛ فوجئ السكان بلجنتين يهوديتين تتوجهان لدائرة الأراضي عام 1972 وتسجلا ملكيتهما لهذه الأرض التي تبلغ مساحتها نحو 16 دونما (الدونم ألف متر) .
إذ أخذ المستوطنون يستولون تدريجيا على المنازل، ويقيمون بؤرا دينية بمزاعم كاذبة تنافي تاريخ وواقع المكان، وفق آمال القاسم عضوة لجنة الدفاع عن حي الشيخ جراح .
– تزوير و تضليل وثائق :
قامت جمعيات استيطانية لجنة طائفة السفارديم و لجنة كنيست اسرائيل (لجنة اليهود الأشكناز) في عام 1972 بالإدعاء على أنها تملك أرض الحي منذ
1885 حيث قامت بتسجيل الأراضي على مستندات و معلومات خاطئة و مضللة و توجهت المحكمة بدعوى إخلاء لأربعة منازل يقطنها عائلات (حماد و الأيوبي و غوشة و الحسيني)، متهمة إياهم بالإعتداء على أملاك الغير دون وجه حق .
حيث قامت العائلات المذكورة بتوكيل محامي للترافع عنهم و في عام 1976 صدر حكم من المحاكم الإسرائيلية لصالح العائلات الأربع التي رفعت الدعوى ضدها ينص على العائلات الأربع موجودة بشكل قانوني و حسب صلاحيات الحكومة الأردنية .
في عام 1982 بادرت الجمعيات الاستيطانية بتقديم دعوى ضد 24 عائلة فلسطينية تقطن الحي مطالبة باخلائها، وقامت 17 عائلة بتوكيل المحامي الاسرائيلي توسيا كوهن للدفاع عنها حيث استمرت المعركة القانونية دون ان تستطيع الجمعيات الاستيطانية اثبات الملكية، حتى عام 1991 و في هذا العام تم عقد اتفاقية بموجبها اعترف محامي العائلات السبعة عشر، توسيا كوهن، بتوقيع اتفاق باسم سكان الحي ودون علمهم، تنص على ان تلك الأرض تعود ملكيتها الى الجمعيات الاستيطانية، وأعطى للاتفاقية المذكورة صيغة قرار. وقد تم منح أهالي الحي وضعية مستأجرين يسري عليهم قانون حماية المستأجر ولا يمكن القيام بعمليات الاخلاء ضدهم اذا قاموا بدفع بدل الايجار الذي نص عليها القانون وكان ذلك في صيف 1991 ،في المحكمة المركزية في القدس .
هذا بدوره وضع العائلات الفلسطينية تحت طائلة التهديد بالاخلاء في حالة عدم دفعها الايجار للجمعيات الاستيطانية، أصبحت تلك المرجعية القانونية في جميع القضايا اللاحقة التي اعتبرت السكان محميين للجيل الثالث. و شملت الصفقة 17 عائلة فقط .
وقامت الجمعيات الاستيطانية بتقديم دعوة جديدة ضد أربع عائلات، حنون والغاوي وحجيج والحسيني. حيث تم النظر في قضية كل عائلتين من قبل قاضي . اقرت المحكمة بالنسبة لعائلتي حنون والغاوي ان عليهم دفع بدل الايجار، و أرسلت مخمن لهذه الغاية لتخمين قيمة العقارات ،وحكم عليهم بدفع إيجار بقيمة 75000 شيكل ما يقارب 16682 دينار أردني عن كل بيت. لم تلتزم عائلتي حنون وغاوي بدفع الاجرة للجمعيات وذلك لأنها في حالة دفعها الاجرة تعترف بملكية الجمعيات الاستيطانية للأرض بالرغم من عدم ثبوت ذلك بالمحكمة .
اما عائلات حجيج والحسيني قامت بتوكيل المحامي صالح ابو حسين ،الذي اصبح المحامي الرئيسي لقضية الشيخ جراح ،الذي تحدى ملكية الجمعيات الاستيطانية للأرض. لذا قامت المحكمة بتجميد القضية حتى يتم إثبات الملكية حسب القانون، وجمدت القضيتان ومازالت مجمدة حتى اليوم .
وفي عام 2000 قامت المحكمة بإصدار حكمها ضد عائلة رائد الكرد بإغلاق منزل صغير باعتباره إضافة قرب منزل والده محمد الكرد، وبعد ستة أشهر قام المستوطنون بالاستيلاء على المنزل المغلق والمكوث في داخله. وتقدم صاحب المنزل بطلب إلى المحكمة لاخراج المستوطنين من المنزل بسبب عدم شرعية وجودهم فيه، وحكمت المحكمة بإخراجهم من المنزل ولكن الشرطة لم تنفذ الأمر.الاستيلاء على حيّ الشيخ جرّاح في القدس بدءاً بمنزل عائلة الكرد المقدسيّة .(موقع مدينة القدس)
وفي عام 2001 أصدرت المحكمة قرار بإغلاق منزل نبيل الكرد بحجة أنه قام بإضافة بناء قرب منزل والدته رفقة الكرد، وقام المستوطنون بالاعتداء على المنزل المغلق ومحاولة الاستيلاء عليه بالقوة لكن العائلة تصدت لهم ومنعتهم بمساعدة الجيران من المكوث في المنزل .
بتاريخ 2009/11/3 تابعت المحكمة قضية رفقة الكرد وأصدرت قرار لصالح الجمعيات الاستيطانية بخصوص البناء المقام على الأرض “التي تملكها الجمعيات الاستيطانية” كما قام المستوطنون باقتحام منزل عائلة رفقة الكرد، والاستيلاء على المنزل المغلق من قبل المحكمة منذ تسع سنوات. أي أنه تم الاستيلاء على منزل جديد في الحي .
هذا القليل فقط من المعارك القانونية التي حصلت بسبب الاستيطان الصهيوني، و لا زالت الهجمة مستمرة على حي الشيخ جراح .
– محكمة الصلح الإسرائيلية :
اخر قرارات محكمة الصلح الاسرائيلية تصدر قرارات بإخلاء 7 عائلات من حي الشيخ جراح.
منذ تشرين أيلول الماضي لعام 2020 أصدرت محكمة الصلح الإسرائيلية قرارا بإخلاء أربع عائلات من حي الشيخ جراح/القدس، وتشمل عائلة القاسم، الجاعوني، الكرد، والسكافي. 30 شخص وتشمل 11 طفل. كما فرضت على كل عائلة دفع مبلغ 21 ألف شيكل ما يقارب 4448 أتعاب محامين المستوطنين، ومصاريف أخرى للمحكمة، وتم إعطاء العائلات 30 يوم للاستئناف على القرار.
– فيديو عائلات حي الشيخ جراح تواجه مصيرا مجهولا.
هذا وفي الرابع من ايلول الماضي كانت قد أصدرت محكمة الصلح أمر بإخلاء عائلات حماد والدجاني والداوودي، 25 شخص منهم 9 أطفال وفرضت على كل عائلة منهم دفع مبلغ 30 ألف شيكل ما يقارب 6673 دينار أردني ، اتعاب ومصاريف المحامين والمحكمة .
لقد رفضت كافة المحاكم نقاش ملكية الأرض أو فحص صحة الكوشان و التسجيل الذي لدى الجمعيات الاستيطانية، لذلك بررت المحاكم حكمها لصالح الجمعيات الاستيطانية بحجة التقادم حيث مضى على ادعاء وتسجيل المستوطنين للأرض أكثر من 30 عاما .
فيديو حول عائلة الصباغ :
في شهر 1/2019 كانت المحكمة قد جددت قرار إخلاء 5 عائلات الصباغ، 32 شخص منهم 10 أطفال .
ومنذ ذلك الحين تمكن محامين العائلات من تجميد الاخلاء لهذه اللحظة، لأنه لم يتم الانتهاء من حسم موضوع ملكية الأرض .
هذا يضع حاليا 12 عائلة من حي الشيخ جراح تحت خطر الاخلاء في أي لحظة .
هنا ترعرعت هنا أمضيت حياتي بأكملها منذ الصغر و انا عايشة تحت تهديد التهجير و حالة من الخوف بأي لحظة ممكن أن يتم إخلائي من المنزل و خاصة و ان حي الشيخ جراح من أكثر الأحياء المقدسية المهددة بالاخلاء و التهجير و كل يوم اتساؤل أين سوف نذهب و انا أمضيت حياتي بأكملها أتمشى في شوارعها .
هكذا حي حياة منى الكرد الصحفية المقدسية .
و أضافت منى انه أصبح حقيقة ما كانت تخاف منه ففي عام 2009 استولى المستوطنون على نصف بيتها بحجة انه تم بناؤه دون تراخيص و اليوم منى و عائلتها يواجهوا قرار إخلاء من النصف المتبقي من البيت هم و 11 عائلة اخرى.
و تم إمهالهم 30 يوما لإخلاء البيت، لكن المحامي قدم استئناف للمحمكمة المركزية و هم الان في انتظار قرار المحكمة .
ووضحت منى كيف استولوا المستوطنين على منزلها هي و عائلتها الذي بناه والدها نبيل الكرد جانب بيت جدتها إذ حاول والدها مئات المرات من بلدية الاحتلال لمنحه ترخيص ليتم بناء منزل لهم بجانب جدة منى الكرد و لكنه يلاقي الرفض في كل مرة بسبب أطماع الاحتلال و التوسع الاستيطاني في القدس و بعد ما تم بناء المنزل يتفاجئ بقاضي المحكمة الذي أغلق المنزل و أصدر قرار بإغلاق المنزل بحجة انه مبني بدون تراخيص و تم إغلاق المنزل لمدة تسعة سنوات .
و في نهاية عام 2009 صدر قرار من محكمة الاحتلال انه يجوز للمستوطنين السكن في منزلهم مما جعل عائلة منى أن تقدم طلب بهدم المنزل و لكن دون جدوى إلى اليوم الذي أتى فيه المستطنين بمساعدة شرطة الاحتلال و انهم استولوا على نصف منزلهم كانوا ما بين 9 إلى 15 شخص . كما قالت انهم قاموا بترهيب و اعتداءات على أطفال الحي و قاموا بأبشع الأفعال في المنزل و أضافت انه كان اعتداءات مخيفة جدا و لكن أصبحت قليلة هذه الاعتداءات في الاونة الاخيرة بسبب وجود مستوطن واحد .
في الختام أن المحاكم ما زالت في محاولة للاستيلاء على كل منازل الحي و سيبقوا صامدين مثل شجرة الزيتون الصامدة و لن يرحلوا !
و أن هذه احدى الحكايات في فلسطين المحتلة في القدس حي الشيخ جراح.
و نأمل أن يعود الحق يوما إلى مجراه .