منبر البترا
تقارير

الطبيب الجَرّاح والأكاديميّ محمد علي المعايطة.. علمٌ يُداوي وإنسانيّةٌ تُلهم

منبر البترا – رسيل المعايطة

كان إعداد هذا التقرير تحدّيًا حقيقيًا بالنسبة لي؛ ليس لصعوبة المعلومات أو ندرتها، بل لأن الكتابة عن قامة علميّة مثل الدكتور محمد علي المعايطة تُشبه الوقوف أمام جبلٍ من الإنجازات، لا تدري من أين تبدأ، ولا أيّ القمم تقف عندها أولًا.

وكلما فتحت ملفًا أو متابعة سيرة أو شهادة، كنت أزداد إيمانًا بأننا أمام شخصية استثنائية جمعت بين العلم العميق والروح الإنسانيّة النادرة. هو ليس مجرّد طبيب أو جرّاح بارع، بل قصةُ شغفٍ طويل، وإنسانٌ آمن أنّ للوجه الذي يُرمّمه روحًا يجب أن تُعاد لها الحياة قبل الشّكل.

الدكتور محمد علي المعايطة هو استشاري جراحة الفم والوجه والفكين، واستشاري جراحة وترميم تشوّهات الفم والوجه والفكين عند الأطفال والبالغين، وهو من الذين صنعوا لأنفسهم مكانًا ثابتًا بين النخب الطبيّة العربيّة والدوليّة بِمسيرة علميّة بدأت من الأردن، واتّسعت حتى وصلت إلى بريطانيا، حيث تدرّج في واحد من أعمق وأدق التخصّصات في عالم الجراحة.

حصل على درجة الماجستير في جراحة الوجه والفكين من جامعة بريستول البريطانيّة، ثم أكمل مسيرته البحثيّة والعلميّة في جامعة أوكسفورد—واحدة من أعرق الجامعات في العالم—حيث نال درجة الدكتوراه في التخصّص ذاته.

وبعد سنوات من التدريب المكثّف والخبرة العمليّة في كبرى المستشفيات البريطانيّة، حصل على زمالة الكليّات الملكيّة للجرّاحين في إنجلترا، وجلاسكو، وإيرلندا، إضافة إلى عضويّته في كليّة الجرّاحين البريطانيّة.

كما نال شهادة الاختصاص العالي من اتحاد كليّات الجرّاحين الملكيّة البريطانيّة والأيرلنديّة “أربع كليّات ملكيّة” مع ميداليّة ذهبية تُمنح فقط للأعلى تميّزًا بين المتقدّمين.

وإلى جانب ذلك، هو زميل الأكاديميّة الأوروبيّة والبريطانيّة لِجراحة وتجميل الوجه والفكّين، وعمل في عدد من أهمّ المستشفيات البريطانيّة الخاصّة، وخاصة عيادات “هارلي ستريت” الشهيرة التي يقصدها أكبر نجوم العالم ووجهاء المجتمع لتلقّي العلاج.

اليوم، يُعدّ الدكتور محمد علي المعايطة واحِداً مِنْ أبرز الجرّاحين العرب في تخصّص الوجه والفكّين، ويشغل نائب عميد كليّة طب الأسنان في الجامعة للشؤون الأكاديميّة والإداريّة.

لكن خلف هذه السيرة العلميّة، هناك جانبٌ إنسانيّ لا يُمكن تجاهله؛ بل قد يكون هو جوهر الحكاية كلها.

خلال زيارتي لمكتبه أثناء إعداد التقرير، لم أشعر أنني أمام أستاذ جامعيّ أو شخصيّة مرموقة، بل أمام إنسان بسيط في حديثه، عميق في معرفته، واسع في رؤيته. كان يتحدّث عن الجراحة كما يتحدث الفنّان عن لوحته، بهدوء واعتزاز ومسؤوليّة، وكأنّ كلّ عمليّة هي أمانة وليست مهنة. أخبرني أنّ أصعب اللحظات في حياة الجرّاح ليست حين يمسك بالمشرط، بل حين ينظر في عيون مريضٍ ينتظر أن تُعاد له حياة كاملة، لا مجرّد شكل.

في غرفة العمليّات، لا يتعامل الدكتور المعايطة مع المرضى كحالات أو أرقام. بالنسبة له، كلّ مريض يحمل قصّة.

طفل ينتظر أن ينطق أوّل كلمة.. فتاة تريد أن تستعيد ملامح وجهها.. أو إنسان يحلم بأن يعود إلى الحياة الطبيعيّة. لذلك، كان من الطبيعي أن تتضمّن مسيرته عشرات العمليّات الدقيقة والنادرة، منها ما كان يُعدُّ مستحيلاً.

ومن أبرز تلك الحالات عمليّة ترميم معقّدة لوجه طفلة في السابعة من عمرها، كانت غير قادرة على التنفّس بسبب تشوّه شديد في اللسان والفكين والرقبة. بعد أن تنقّلت الطفلة بين مستشفيات في أمريكا وألمانيا ولندن دون نجاح، جاء التّوفيق والشّفاء مِنَ الله سُبحانه وتعالى، ومِن ثمّ أيادي الدكتور المعايطة لتكتب صفحة جديدة في علم الجراحة بِإنقاذ حياتها بطريقة وصفها أطباء وخبراء بأنها “معجزة طبيّة وإنسانيّة”، وبقيت هذه العمليّة علامة فارقة يتناقلها المتخصّصون والطلاب حول العالم.

ورغم كل هذه المسؤوليّات الطبيّة، لم يتخلَّ المعايطة عن دوره الأكاديميّ فهو قريب من طلابه، يُسمّونه “الأستاذ الأب”، لأنه لا يعلّمهم التقنيات الجراحيّة فقط، بل يعلّمهم كيف يكون الجرّاح إنسانيًا، وكيف يعرف أن مهمّته الحقيقيّة هي احتضان الوجع.

في إحدى اللحظات، سألته عن سرّ هذا الشغف، فأجاب بابتسامة هادئة:
“عندما تُعيد لوجه طفل ابتسامة لم يعرفها من قبل… تشعر أنّ الله عَزَّ وَجَلّ سمح لكَ بأن تكون سببًا في ولادة حياة جديدة.”

ومن هنا، نفهم لماذا وصفته مِنصّات طبيّة وإعلاميّة بأنه “أيقونة الطب العربي” و”عبقرية جراحة الوجه والفكين”. هذه الألقاب ليست مجاملة بقدر ما هي انعكاس لمسيرة امتدّت لسنوات طويلة، جمع فيها بين الدقة البريطانيّة في التدريب، والروح الأردنيّة في العطاء.

أما عن واقع طب الأسنان في الأردن، فيؤكد الدكتور المعايطة أنّ المملكة تمتلك أفضل الكفاءات الأكاديميّة في المنطقة، وأن المستشفيات الأردنيّة باتت تضمّ تجهيزات تضاهي المراكز العالمية، من أجهزة التصوير الشعاعي الحديثة، إلى عيادات الأطفال وزراعة الأسنان، مرورًا بأدوات الجراحة والتنظير والتجميل.

ويشير أيضًا إلى التطوّر التكنولوجي الذي غيّر مفهوم الجراحة؛ فلم تعد القياسات التقليديّة للأسنان تُستخدَم كما في السابق، بل أصبحت تُؤخذ بكاميرات رقمية توضع داخل الفم بدقة عالية. وأصبح علاج العصب يُجرى باستخدام المايكروسكوب، بينما تُنفَّذ جراحات الوجه والتجميل وإزالة الأورام باستخدام المنظار عبر فتحات صغيرة لا تتجاوز أربعة مليمترات، ما يُقلّل الألم ومدّة التعافي.

وعندما تحدث عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصورة المهنيّة للأطباء، قال بِوضوح إنّ الشهرة اليوم أصبحت تقاس بعدد المتابعين أكثر ممّا تقاس بالخبرة، وهذا أمر مُقلق. ودعا النّاس إلى عدم تصديق كل ما يُنشر، لأن “ليس كلّ مشهور خبيرًا، وليس كلّ خبيرٍ مشهورًا”.

وفي نهاية اللقاء، وجّه الدكتور محمد علي المعايطة رسالةً للطلاب تحمل حكمة سنوات طويلة من الاجتهاد والتجربة، قائلاً:
“اجعل حلمك أمام عينيك، واسعَ إليه بثبات. فَمِنْ دون الأحلام لن نحقق المراد… وتوكّلوا على الله تعالى، لا على التّواكل.”

هكذا، يظل الدكتور محمد علي المعايطة شاهدًا على أنّ العلم حين يقترن بالإنسانيّة، يتحوّل إلى فنّ يعيد رسم الأمل، وأنّ الجرّاح الحقيقيّ لا يرمّم الوجوه فقط، بل يُرمّم الحياة في قلوب من يلجأون إليه

Related posts

قطر: نصف مليون شخص تلقوا اللقاح ..وسباق للفوزبـ” الختم الذهبي”

Admin User

مشروع” انسان” يساند الأسرالعفيفة بالعمل والانتاج

Admin User

إعادة ترتيب الأولويات الشرائية يحد من الإقبال على الملابس

Admin User

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com