منبر البترا
كتابات واعدة

أفلام هوليودية تعرض مجانًا على قنواتنا العربية

منبر البترا- بقلم بشير الكبيسي

عد وسائل الإعلام في هذا العصر من أكثر الوسائل تأثيراً في فكر الناس، وأخلاقهم وسلوكهم، وفي بناء توجهاتهم، لشدة سيطرتها على عقول الناس وأستحواذها على إهتماماتهم وأوقاتهم وقوة تأثيرها فيهم.

والأصل في الإعلام على أختلاف وسائله أن يقدم للناس المعلومات النافعة، والحقائق الثابتة، والأخبار الصحيحة، وأن يساهم في تنشئتهم السليمة، ليكون بذلك أداة توجيه وبناء للمجتمعات البشرية ومصدر معلومات موثوق.

إلا إن الواقع في أغلب الأحيان أقول للأسف بخلاف ذلك، حيث أُتخذ من الإعلام العربي وسيلة للدعاية لأفكار وتوجهات معينة، ومهاجمة ما يضادها ويخالفها في التوجهات والآراء، كما أضحى الإعلام اليوم أداة من أدوات الصراع الثقافي والعسكري بين الأمم والشعوب.

وسوف أتطرق اليوم إلى موضوع مهم وحساس في الوسط الإعلامي، ألا وهو ” الإعلام العربي، والعنف “ ولكن قبل ذلك يجب أن نعرف إن الإعلام يلعب دوراً هاماً ومؤثراً في توجهات الرأي العام وأتجاهاته وصياغة مواقفه وسلوكياته من خلال الأخبار والمعلومات والصور والفيديوهات التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، اذ لا يستطيع الشخص تكوين موقف أو تبني فكرة معينة إلا من خلال المعلومات والبيانات التي يتم توفيرها له، وما يؤكد قدرة الإعلام بكافة صوره وأشكاله على إحداث تغييرات في المفاهيم والممارسات الفردية والمجتمعية عن طريق تعميم المعرفة والتوعية والتنوير وتكوين الرأي ونشر القضايا المختلفة.

وما لاحظته في السنوات الأخيرة في إعلامنا العربي وما دفعني إلى الشروع بهذا التقرير، هو عدم الاهتمام والمسؤولية بالمواد الإعلامية التي تبث على شاشات التلفاز، وأصبحت هذه المواد ملطخة بالدماء والمظاهر البشعة واللقطات المخلة بالذوق العام، لدرجة أنني لم أرى مثل هذهِ المشاهد إلا في أفلام ” هوليود “ الأكشن وليس في واقع نتعايش معه جميعاً.

صحيح أن من مزايا الإعلام الناجح هو نقل الوقائع كما تحدث في الميدان، ولكن هناك أخلاقيات للعمل الإعلامي تنص على مراعاة المشاهدين وعدم خدش مشاعرهم وترويعهم بمشاهد مرعبة لا تمس قيم ديننا الأسلامي الحنيف والأنسانية التي تقر عليها كل الأديان السماوية بشيء، فمن المفترض أن يكون هناك ضوابط وأسس تتبعها كل المؤسسات الإعلامية للتعامل مع هذه المضامين، وليس عرض رؤوس مقطعة وأشلاء وأيادي طائرة هنا وهناك، وأنهر من الدماء الجارية.

إن هذه الممارسات الخاطئة في إعلامنا العربي، ساهمت في تزايد ملحوظ لإعمال العنف، فأخبار القتل تتصدر الأنباء في كل القنوات، ولا أشك للحظة أن الإعلام العربي كان مروجاً للعنف من خلال ما يبثه في الوقت الذي كان يتطلب منه أن يشجب هذه الأعمال المشينة ويحرص على عدم عرضها وايصالها للمجتمع لإنها ببساطة مواد خطيرة ومدمرة وتفسد المجتمعات العربية.

ومن النتائج السلبية لتلك الممارسات الهمجية، هو فقدان الفرد العربية للإنسانية والتي يجب أن يتحلى بها كل فرد سليم وبكامل قواه العقلية، وأصبح لا يبالي بمشاهدة مظاهر العنف التي تعرض في التلفاز، ولا أريد قول إنه يستمتع بمشاهدة هذه اللقطات مع الأسرة على مائدة الأفطار ! بل بات متلهفاً ومتشوقاً وباحثاً لمثل هذه الأمور، جنباً إلى جنب فقدان المشاعر القومية العربية والتعاطف مع أبناء جلدتهِ في ظل ما يتعرضون له من مأساة.

وبالإضافة إلى ما تقدم، فالتأثيرات الناجمة عن مظاهر العنف في وسائل الإعلام لا تقتصر على طبقات كبار السن، ولكن مشاهدة الأطفال لهذه المواد المصورة بأنواعها المختلفة – أخبارية برامجية درامية – له عواقب وخيمة.

وأكدت عدة دراسات أن الأطفال يتعلمون العنف الذي يعد شكلاً من أشكال العدوان لإنه سلوك يستهدف إلحاق الأذى بالآخرين من خلال مشاهدة أعتداء على الآخرين الأكبر سناً، وأليكم التطبيق العملي الذي أجراه الباحث ” باندورا “ وزملاؤه:

” قارن بين خمس مجموعات من الأطفال تشاهد، المجموعة الأولى راشد يهاجم بعنف لعبة بلاستيكية تسمى بوبو دوول لمدة عشر دقائق، وتشاهد المجموعة الثانية فيلماً للموقف الذي شاهدته المجموعة الأولى، أما المجموعة الثالثة فتشاهد فيلم كارتون يعبر عن نفس الموقف، وتشاهد المجموعة الرابعة راشد يوبخ بدون عنف الدمية، أما المجموعة الخامسة فلا تشاهد أي نموذج لسلوك عدواني أي مجموعة ضابطة “

” وبعد المشاهدة، مر كل طفل من المجموعات الخمس، بموقف محبط، ثم ترك بمفرده بالحجرة مع الدمية البلاستيكية ومسدس أسود، ولعب أخرى لا ترتبط بالعدوان، وذلك لمدة عشرين دقيقة، مع ملاحظة سلوكه وتكشف الملاحظة أن أفراد المجموعات الثلاث الأولى، قلدت وبشكل تام بما في ذلك الألفاظ التي أستخدمت والإيماءات التي صدرت والسلوك العدواني الذي أصدره الراشد، ولا توجد فروق بينهم، بمعنى أنه بغض النظر عن كون النموذج حياً أو مصوراً أو يعبر عن فيلم كارتون فقد قلده الأطفال بينما لم يصدر أفراد المجموعتين الرابعة والخامسة أي سلوك عنيف مما يؤكد إن العنف متعلم “.

نستنتج مما سبق، أن المشاهدة المتكررة لأفعال العنف التي تعرض في قنواتنا العربية تزيد من خوف المتلقي – بمختلف الطبقات – أن يصبح ضحية لمثل هذه المواقف، والخوف يزيد من درجة العداء ومن إحتمالات اللجوء إلى قتل مصدر الخوف.

أنا شخصياً وأعتقد أنتم أيضاً، نتفهم إن ما تنشره القنوات العربية المتلفزة مصدره في الغالب جاءنا من خارج الحدود وأعتقد أهدافه واضحة للعيان.

ويقول الدكتور صالح خليل أبو أصبع في كتابه الأتصال والإعلام في المجتمعات المعاصرة، إن برامج الأطفال في التلفزيون التي قد تمتد إلى ساعتين أو أكثر يومياً في بعض المحطات تُرينا أن أكثر من خمسين بالمائة منها مستورد و ” معلب “ ، والكثير من هذه البرامج التي ننظر أليها على أنها مجرد رسوم متحركة أو أفلام خيالية ليست كذلك، بل نجد أن منظمة أمريكية تعنى بتعقب برامج العنف في التلفزيون قد صنفتها على أنها تمثل برامج ذات درجة عالية من العنف الخطير وهذا ما يؤدي إلى فقدان طفولتهم التي يجب أن تتصفم بالبراءة الربانية.

في حقيقة الأمر، إن العنف هو صفة مكتسبة لا فطرية، حيث يتشكل سلوك الإنسان تبعاً لثلاث مصادر مهمة، وهي:

1- مرحلة التطور الإجتماعي
2- التربية الأسرية
3- وسائل الإعلام

ولكن أخر الدراسات أكدت إن لوسائل الإعلام النصيب الأكبر في التأثير على سلوك أفراد المجتمع، لإنها من الوسائل التي تجذب خلجان المجتمعات الحديثة بصورة تفوق ما كان شائعاً في السنوات الماضية.

وعليه فعلى القنوات العربية أن تعي خطورة ما تبثه من مواد إعلامية، لأن هذه المواد كفيلة بأفساد مجتمع برمته من خلال تلك الممارسات العدوانية، وأن تتخذ من الإعلام الغربي مثيلاً يحتذى به من خلال حرصه على البيئة المجتمعية المحيطة به، وهو دائماً حريص على عدم نشر مواد إعلامية تتسم بالعنف، وهذا نهج إن دل على شيء إنما يدل على مهنية هذه المؤسسات وحسن رسائلها الإعلامية.

ومن هذا المنبر، أدعو قنواتنا العربية أن لا تنساق وراء المغريات الكبيرة من أعداء هذه الأمة المجيدة جراء نشر المواد المسمومة، مثل الأهتمام بنسبة المشاهدة Rating لأسباب أعلانية ربحية، لأن كما هو معروف العنف له قوة جذب كبيرة للمشاهدين، بالإضافة إلى  الأوهام التي تتخذها القنوات العربية ذريعة لتبرير بث مشاهد العنف، مثل زعمهم أن الواقع عنيف والتلفاز يعكس في النهاية الأمر الواقع العنيف فهو بمثابة المرآة العاكسة، والمزيد من المبررات التافهة التي لا تستند إلى الموضوعية بصلة، فمستقبل المجتمعات أهم من تحقيق الربح المادي، وبالنهاية المؤسسات الإعلامية هي وجدت لخدمة المجتمع وليس لبتزازه كما تفعل غالبية كبيرة من القنوات العربية مع شديد الأسف.

Related posts

قواعد “مش شغلك” الأربعون

ملكة السلام تضيئ شجرة المحبه

دامت البترا صَرحاً منيعاً

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com