الكثير من النساء يجتمعن في مراكز تجميل السيدات، بغية الإعتناء بمظهرن في أيام “الإناث”، التي يحلو فيها لكل أنثى أن تكون الأجمل، ومنها يوم ” الأم.”
وبالأمس ذهبت إلى إحدى هذه المراكز، وجلست في مقعدي أنتظر دوري وحظي من التألق في هذا اليوم.
صوت المذياع يعلو في أغاني تتوالى (“ست الحبايب”، “ست الكل”، “أم الوفا”،”أمي”).
تتمايل مصففة الشعر وهي تعلو بصوت غِناءها وتعلو أصوات غِناء النساء، وتظهر الإبتسامات وتتألق المُعايدات، بكلمات إعتيادية وأمنيات عظيمة في هذه المُناسبة، (كل عام وأنتِ بخير).
وأسمع الكثير من الخطط والترتيبات لإحتفال أزواجهن وأولادهن بهن في هذه المُناسبة.
وتجلس أمامي مُباشرة إمرأة أربعينية، فأنظر بفراسة إلى ملامح وجهها البائسة وأقول:(كل عام وأنتِ بخير).
فتنظر في عيني مُباشرة وتقول :(لستُ أم، أنا عزباء ليس لدي زوج).
فأبتسم وأكرر الجملة نفسها:(كل عام وأنتِ بخير).
فتهتز شفتاها في إبتسامة لم تقرر بعد أن ترسمها على وجهها أو لا. لعل إبتسامتها المرسومة، تُرسم بحبر لم يغمس لحظة من أعماق روحها.
وكأنه ليس هُنالك من شئ يُعزيها في العالم عن طفل أو طفلة يقول لها كلمة (ماما)!
فقلت :”صبراً جميلاً فهذا قضاء الله وقدره”.
فقالت:” كانت لي آمال كِبار، وكانت لي نفس مملؤة بعظائم الأمور وجلائلها، وكُنت أشعر بقوة في جسمي لا يقوم لها شيئاً في هذا العالم، فأصبحت أنثى ضعيفة خامدة مُتألمة يائسة قانطة، لا أشعر ولا أفكر ولا آخذ ولا أدع،ولا أتجه إلى مقصد، ولا أتعلق بغرض، ولا أجلب لنفسي خيراً، ولا أدفع عنها ضراً، ولا شأن لي بين الناس أكثر من شأن جثة مُلقاة لا روح فيها، أو حجر مطروح على قارعة الطريق.
لستُ أمّاً، وأبتئس في هذه المُناسبة في كل عام، وأدرك أن قطار الإنجاب قد فاتني تماماً، وكأن هذه المُناسبة تأتي في كل عام لتُشهد العُمر علي أنّه لا حظ ولا أبناء لدي وأن أمومتي جوفاء.”
فقلت:” أتعلمين عزيزتي منذ متى أنا أسعد بأمومتي ؟”.
فنظرت في وجهي قليلاً تُحاول إصابة عُمري في الإجابة وقالت:” لستُ مُتأكدة ،تبدين شابة ، منذ خمس سنوات.”
فبتسمت وعلقت :” مُنذ ثلاثين عاماً وأكثر ،وأنا أسعد بأمومتي.”
فقالت مذهولة :” مُستحيل ..ابنتك في الثلاثين من عُمرها !، كيف؟ لا يبدو أن لديكِ ابن أو ابنة في الثلاثين من عُمرها.”
فقلت:” من قال لكِ في الأساس، أنني أصبحت أماً بمجرد إنجابي، أنا أم منذ خُلقت أنثى !، من أشار لكِ للحظة أنني أستحق أن يُقال لي، كُل عام وأنتِ بخير في هذه المُناسبة، وليس لديك الحق نفسه، من قال لكِ أن الإنجاب هو خيار أحدنا في الحياة، بل هو قضاء الله وقدره، ولكن الخيار يكون في أنني أعيش أمومتي وأسعد بها قبل أن أتزوج أصلاً، أمارسها، مُنذ قوت يدي على حمًل دُمية وأنا صغيرة جداً، الأمومة مشاعر وعاطفة تفيض من القلب فُتدفئ كل من حولها، ليست مُرتبطة برحم سكنه جنين أو لم يسكنه.
الأمومة عاطفة تُميز إنسانيتنا، وإلا ما الفرق بيننا وبين الحيوانات؟ وهي لديها القُدرة ذاتها على التزاوج والإنجاب !”.
كلماتي إلى أحبتي من الإناث اللواتي لم يُقدر الله لهن الزواج، وإلى من تزوجت ولم تُنجب، لَكُنَّ بالذات ومن دون أمهات العالم أجمع ” كُل عام وأنتن بخير …في يوم الأم .”
بقلم:هيا عاشور