عمر زيدون العوران – كلية الصحافة والإعلام
دوما ما كانت تتعالى صرخات المساواة من قبل المنظمات الحقوقية والتي تعنى بحقوق المرأة والتي تطالب المجتمعات وبالأخص المجتمعات المحافظة للنظر إلى المرأة والرجل على حد سواء في الحقوق وفي الواجبات، إلا أنّ الاستجابة لهذه المطالبات لم تكن واضحة المعالم بكافة القطاعات في المجتمع الأردني المحافظ إلى أن كسرت القاعدة بعمل الفتيات في قطاعات تحمل خصوصية (ذكورية) -إن أمكن وصفها بذلك- مثل مهنة سائق التكسي أو الفتيات التي تقوم بتعبئة الوقود في محطات الوقود والتي أصبحت مفعلة ومنتشرة في محطات الوقود في العاصمة عمان على وجه الخصوص.
هذا وتعد مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل من النسب الأقل عالميا والتي لا تتوافق ولا تتواءم مع مستوى التحصيل العلمي أو المؤهلات الأكاديمية والحرفية التي تمتلكها المرأة الأردنية وهو ما تم تقديمه من قبل منتدى الاستراتيجيات الأردني والذي طرح ملخصا حول تكلفة تدني المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن ومدى تأثيرها على الناتج المحلي وهذا ما يمكن توضيحه بالجداول والرسوم الموضحة أدناه والتي تشكل مشاركة لا تتجاوز 25% في الاردن كما هو موضح في الأشكال البيانية أدناه ويوعز أنّ هذا التدني ناجم بسبب نقص الفرص المتاحة للإناث مقارنة بالذكور مع وجود نقص في نسب الضمان الاجتماعي للإناث المؤمن عليهن بما لا يزيد عن 29% بحسب الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي .
شكل رقم (2) مشاركة المرأة في الاقتصاد الأردني 2019
شكل رقم (3) مشاركة المرأة في الاقتصاد الأردني 2013
إلا أن المملكة الأردنية الهاشمية شهدت تغيرا نوعيا في الأيدي العاملة في الآونة الأخيرة وأصبحت هناك نقاشات تصب في كيفية حل المشاكل الاقتصادية عن طريق مبدأ ما يعرف بالمساواة الجندرية وإعطاء فرصة أكبر للنساء في سوق العمل مقاربة بأقل تقدير لمتوسط مشاركة المرأة عالميا فمثلا نجد أن القطاعات الحكومية باتت تشجع هذه الفكرة حيث قام رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور عمر الرزاز بنشر تغريدة على حسابه في تويتر يهنئ فيها المرأة باليوم العالمي ويقول: : “في اليوم العالمي للمرأة، نعتزّ بما أنجزته المرأة الأردنية في ميادين العمل والريادة والإنتاج والخدمة المجتمعية، وسنواصل العمل معاً باستمرار لحماية وتعزيز حقوقها الإنسانية والاقتصادية والسياسية، ومكافحة كل أشكال التميز والعنف ضدّها”.
وبما يخص تشجيع المرأة على العمل بكافة القطاعات كقطاع محطات الوقود نجد أنّ مدير عام شركة تسويق المنتجات البترولية “جوبترول” المهندس خالد الزعبي “أنّ تشغيل الفتيات في المحطة هو نابع من أهمية أن تكون المرأة موازية للرجل في كافة المجالات وكذلك لكسر ثقافة العيب مشددا على ضرورة توفير بيئة وظروف عمل مناسبة “. خاصة أنّ محطات الوقود مكانا يفده كلا الجنسين حيث أنّ نسبة النساء التي تقود المركبات مرتفع مما يسهل التعامل مع الفتيات ويشكل بيئة مريحة لهن مع وجود شروط عمل المرأة في محطات الوقود والتي تشترط الحفاظ على تحقيق تناسب بين متطلبات العمل وقدرات العمل الجسدية للمرأة من حيث أنّها ساعات نهارية تتخللها الاستراحة وأماكن استراحة أيضا كما أنّ هناك تشديد على توفير زي تستطيع المرأة ارتداؤه بشكل ملائم.
ويبقى السؤال عن الأسباب التي تدفع المرأة للإقبال على هذا العمل هل هو هربا من الفقر والذي ارتفعت نسبته في الأردن ليصل حسب دائرة الإحصاءات العامة الأردنية ودراسات البنك الدولي إلى 20% زيادة نسب البطالة إلى 23% ونجد هنا أنّ نسبة النساء التي تترأس الأسر وتعتبر المعيل الوحيد فيها وذلك حسب المصادر الرسمية في مختلف محافظات المملكة تتراوح بين 9-17%.
وبهذا الشأن تمّ اجراء مقابلات مع فتيات يعملن في المحطة حيث أوضحت أسماء عمر ” لقد كان سبب التحاقي بالعمل محاولة لتأمين مصروف عائلتي حيث أنّ والدي متوفي ووالدتي مريضة لا تستطيع العمل و تأمين المصاريف لي ولإخوتي البالغ عددهم 7 وتتراوح أعمارهم ما بين 7-17 سنة” وعن سؤالها عن نظرة المجتمع لها قالت : “في البداية كنت أحس بنظرات الاستغراب إلا أنّه تمّ التعامل بشكل طبيعي وخاصة مع اعتيادهم على وجودي والتعامل معهم بشكل رسمي مقتضب” أما عن فادية رشدي فقد أوضحت :”إنّ واحدة من أهم الأسباب التي دفعتني للعمل هو أنّني عاطلة عن العمل منذ أكثر من عشر سنوات وقد التحقت بمختلف أنواع العمل ووجدت أنّ لدي القدرة للعمل بشكل مختلف و استمتعت بكون العمل خارج عن المألوف” ومما يعزز هذا الكلام وجود تناقص في فرص العمل المتوفرة للنساء مقارنة بالرجال كما هو موضح للأعوام السابقة في القطاعين العام والخاص حيث وفرر القطاع العام 5259فرصة عمل مستحدثة للإناث مقابل 14272 فرصة للذكور وذلك عام 2017 وهي نسبة لا تزال متدنية.
وهنا لا بد من الاعتراف بأنّ التحديات أمام المرأة العاملة كثيرة فنجد إنقسام مجتمعي حول تقبل فكرة مجاراة المرأة للرجل وخاصة في محطات الوقود فنجد المؤيد والمعارض فهناك من يقول بأنّ المرأة لها طبيعة خاصة تستلزم أنواع معينة من العمل رافضين لفكرة عملها في محطة الوقود خاصة وأنّ هذه المواد البترولية قد تؤثر على صحتها الإنجابية وسلامتها بسبب استنشاقها أحيانا لروائح هذه المواد أو حتى عملية تعرضها للاحتراق وخلافه وقد تمّ عمل مقابلات من الشارع المحلي حيث قال سعيد سليم: ” من المؤسف حقا وجود ذكور في بعض العائلات والتي تترك للمرأة العمل في مكان لم يخلق له وأعتقد أنّه من الأفضل التوجه لمهن مناسبة كالخياطة أو الطهي” في حين أنّ الطرف المؤيد يدعم بشدة محاولة تحسين الوضع المعيشي للمرأة ومحاولة التغيير والتفكير خارج الصندوق والانفتاح مع توفير أي وظيفة بشروط مناسبة يصاحبها الإيمان بقدرة المرأة على أن تبدع بأي مجال تختاره وهنا قالت أروى عبدالجليل: “أشعر بفخر وسعادة وطمأنينة حين أرى فتاة في محطة الوقود حيث أسرع للتعبئة من قبل الآلة الخاصة بها وأقابلها بالابتسامة والتشجيع”.
ختاما لا بد من الإشارة إلى أنّ عمل المرأة في محطات الوقود هو مستجد و في خطواته الأولى مما يستلزم المراجعة الحثيثة وإجراء التعديلات بعد فترة الاختبار والتجربة حسب ما يتطلب، ولا شك من أنّ عجلة الزمن وتسارعه وتعدد تقنياته وتطورها قد حوّلت الأفكار التي كانت بعيدة المنال إلى أمر واقع.