نرمين وليد رجوب – كلية الصحافة والإعلام
نتيجة التوترات الخفية التي جرت في الأربع سنوات الماضية، يتوقع سياسيون ومحللون أن تخف حدّة التوتر في العلاقات بين واشنطن وعمّان. وهناك من يتوقع من الرئيس جو بايدن بعودة المُساعدات الأميركية للأونروا، تحسينات العلاقات الداخلية، وإعادة الاعتبار لحل الدولتين، لتحقيق الأهداف المشتركة في السلام والاستقرار ما بين الأُردن والولايات المتحدة الأمريكية بعد فترة طويلة من الضغوط التي واجهها الأردن خلال عهد ترامب.
ورغم تغير الإدارات الأمريكية خلال السنوات الماضية، إلا أن الولايات المتحدة أكّدت على سياستها القائمة على تعزيز العلاقات الأُردنيّة الأمريكيّة، والتي تنظر إلى الأردن كشريك أساسي، وكدولة اعتدال في الشرق الأوسط ومثال للاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي وغيرها.
كما وينظر مراقبون في العاصمة الأردنية بإعادة التوازن للعلاقات مع واشنطن، خاصةً فيما يتعلق بالانحياز الأميركي التام لإسرائيل ومصالحها ومخططاتها على حساب دول المنطقة وشعوبها. ومن الممكن أن تتخلص الإدارة الأميركية الجديدة من حالة الاندفاع التي كانت تمارسها إدارة ترامب في تبنيها التَّصور الصهيوني في إدارة الملف الفلسطيني، وبناء شبكة علاقات إسرائيلية مع دول عربية وإسلامية، وعلى قاعدة السّلام مقابل السّلام.
فيما يخص الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فهذا يُعتبر بحدّ ذاته نقيضاً لمحاولات الاحتلال؛ لفرض واقع جديد في القُدس المُحتلة وفق التّصورات الصهيونية، هذا وإن ذهبت الإدارة الأميركية إلى التعامل مع الملف الفلسطيني على قاعدة التفاوض وفق فكرة حل الدولتين، فإن هذا سيعني التأكيد على ما نصت عليه معاهدة السّلام الأردنية الإسرائيلية.
في حين، يرى آخرون أن الأمر لن يكون سهلا، وسيكون بحاجة إلى موقف عربي وفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ولن تكون إدارة بايدن نصيراً مُطلقا للعرب، بل أقل انحيازاً واندفاعاً كما كان عليه ترامب.
الملك الأردني هنأ بايدن وهاريس وأعلن تطلع بلاده للعمل معهما بما يحقق السلام والاستقرار
وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد هنأ الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وعبّر عن تطلعه إلى العمل معاً لتعزيز الشراكة التاريخية المتينة بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكيّة، لتحقيق الأهداف المشتركة في السلام والاستقرار والازدهار.
حلّ الدولتين :
تمسكت الإدارات الأميركية المُتعاقبة بحل الدولتين، بوصفه مفتاحاً للسّلام والاستقرار في المنطقة بأكملها، وألقى ترامب بثقل السياسة الأميركية خلف المطالب الإسرائيلية، ومنح الإسرائيليين ما يريدونه، تاركاً للفلسطينيين ما لا تريده إسرائيل. وقلب وجهة النظر الأميركية التي ترى أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تتعارض مع القانون الدولي، وتسمح خطّته للسلام في الشرق الأوسط أو ما سمي بـ”صفقة القرن”، لإسرائيل بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، مع ما يعادل بانتوستانات تحت نظام فصل عنصري، بدلاً من دولة ذات سيادة قابلة للحياة.
وتعهّد بايدن أثناء حملته الانتخابية بالعمل على استئناف العلاقات الأميركية الفلسطينية، والعودة إلى العمل بالسياسة التقليدية للولايات المتحدة التي تؤيّد الحلول التفاوضية وفق معادلة “الأرض مقابل السّلام”، وحل الدولتين. سيٌعيد بايدن افتتاح القُنصلية الأميركية في القدس الشرقية (المعنية بشؤون الفلسطينيين)، ومُمثلية مُنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ويستأنف جهود الدعم الاقتصادي والسياسي للفلسطينيين التي علّقتها إدارة ترامب، كما ستعارض إدارته توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، ولن يجد نفسه ملزماً بـ”صفقة القرن” الخاصة بإدارة ترامب، جاعلاً الأولوية في مسار إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لاستئناف الحوار مع الفلسطينيين، و”الضغط على إسرائيل كي لا تتخذ خطوات قد تجعل حل الدولتين مُستحيلا”، بحسب تعبيره.
بالإضافة إلى أن بايدن أكّد على عدم تراجعه عن الاعتراف الأميركي بالقُدس الذي صدر عن إدارة ترامب، ولن يعيد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، ولم يشر أيضاً إذا ما كان سيلغي اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. وفقاً للمصدر (العربي الجديد)
ووضّحت المُحللة السياسيّة لميس أندودي، أن قرار بايدن لن يتمكن من أن يرفض قرار ترامب باعتراف السلطة الإسرائيلية على القُدس. وذكرت أيضاً أن بايدن يمكن أن يعترف بحلّ الدولتين، لأنها لديها مصلحة لتحسين العلاقات وإبداء احترام أكبر للأُردن. وأكدّت أندودي أن وضع القُدس والوصايا ستكون من أوائل المواضيع التي سيجري التّحدث بخصوصها مع إدارة بايدن. ونوّهت أن الوصاية تكون بدون معنى إن لم تستطع الأُردن حماية المُقدسات.
وكشفَ المُحلل الاقتصادي عوني الداود، أن حكم بايدن مُختلف تماماً، لأن بايدن هو صديقٌ للأُردن، منذ أن كان نائب الرئيس أوباما، ولديه نظرة ومشاريع مُختلفة في المنطقة. وما يتعلّق بالقضية الفلسطينيّة فإن بايدن قد أعلن موقفه في مناظرات رئاسيّة مع ترامب، ومعروفٌ منذُ البداية بأن الديمقراطيين وبالتحديد بايدن أنه مع حلّ الدولتين، وقد لا يُتوقع منه أن يسحب السّفارة، لكن بالتأكيد الديمقراطيون مُتوازيين في سياستهم الخارجيّة، لكن على الأقل ستكون هُناك موازنة ما بين المصالح الأُخرى في المنطقة.
مُساعدات وتوافقات
اقتصادياً، تُعد المساعدات الأميركية للأردن مُستمرة نتيجة العلاقات الدبلوماسية التّاريخية بين الأردن والولايات المُتحدة، ودور الأردن وموقعه في المنطقة. وتقدم الولايات المُتحدة للأردن مُساعدات مالية اقتصادية وعسكرية، وتمويلاً للخزينة العامة بمعدل مليار و275 مليون دولار سنوياً، ووقّعت واشنطن في 2017 مُذكرة تفاهم مع عمّان، تعهّدت بمُوجبها بتقديم 1.275 مليار دولار سنوياً من المُساعدات الخارجية الثنائية، وذلك خلال السنوات من عام 2018 إلى 2022، أي ما مجموعه 6.375 مليارات دولار. وفقاً للمصدر (هلا أخبار)
وكانت هذه المساعدات مرهونة بقرارات الأردن المُتعلقة بخُطة السّلام الأميركيّة للشرق الأوسط، ومدى تجاوب وموافقة الأُردن عليها، وكان الضغط يمارَس على الأردن من أجل القُبول بالاعتراف الأميركي بالقُدس عاصمة لإسرائيل، وتوسيع الاستيطان وضم أراضي الأغوار، وأبعد من ذلك مُوافقة الأُردن على تخليه عن مطالبه بحلّ الدّولتين.
ويتوقع أُردنيون عودة التمويل الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بعدما أوقفته إدارة ترامب وسعت لتصفية الوكالة وإلغائها وإيجاد بديل عنها، وهو ما سيخفف الأعباء التي تحملتها الدول المستضيفة للاجئين، وفي مُقدمتها الأردن.
المعايطة : وجود بايدن وحزبه في الحُكم، يفتح الباب أمام الأُردن لمُحاولة زيادة هذه المُساعدات
أشار المُحلل السياسي ووزير الإعلام الأُردني الأسبق سميح المعايطة، أن ملف المُساعدات الأمريكيّة للأُردن لم يتأثر سلباً خلال حكم ترامب، بل زاد خلال العام القادم، لأن الأُردن تربطه علاقات قويّة مع مؤسسات القرار الأمريكي في الكونغرس والخارجية ووزارة الدفاع. وأضاف أيضاً أنه لم تتأثر المُساعدات بأنواعها رغم موقف الأُردن الواضح من صفقة القرن ونقل السفارة. وقال المعايطة أنّ تواجد بايدن وحزبه في الحكم يمكن أن تعمل على زيادة المُساعدات للأُردن.
الداود : نتوقع أن المُساعدات ستكون أفضل في عهد بايدن، ولن يكون هناك تخفيض بها
ذكر المُحلل الاقتصادي عوني الداود، أن العلاقة الأُردنية الأمريكيّة هي علاقة تاريخيّة. وأن الضغوط السياسيّة التي أحدثها ترامب لن تؤثر على المُساعدات الأمريكيّة، بمعنى أنها ليست قرار رئيس الجمهوريّة وحده، بل هُناك مجلس الشيوخ والبرلمان أيضاً، أيّ أنّ هُناك أكثر من قرار يؤخذ بخصوص المُساعدات الأمريكيّة، حتّى في وقت الأزمة الماليّة العالميّة (2008-2009)، تمّ إعادة النظر في كثير من المُساعدات الأمريكيّة للخارج. وأكّد أنه في عهد باراك أوباما زادت هذه المُساعدات، حتّى أعطت الإمكانيّة للأُردن على أخذ القروض والمُساعدات بفائدة أقل وكفالة أمريكية.
وأعربَ الداود أن موازنة الدولة الأُردنيّة (2020-2021) توقعّت انخفاض المُساعدات، لكن ما اعتبره نوع من التحوّط ليس أكثر، بمعنى أنه قد تقل المُساعدات، ولكن يعتقد أنه في عهد بايدن لن يكون هُناك تخفيض فيها.
تحسينات العلاقات الداخليّة
بعد انتهاء فترة الضغوطات التي مرّتبها الاُردن، وأزمة العلاقات ما بين الأُردن والولايات المُتحدة الأمريكية لقبول صفقة القرن وتوسيع الاستيطان والتنازل عن حقوقه في القُدس، ودخول دول خليجية على خط الرعاية الهاشمية للمقدسات، بما يمس الحق التاريخي للأردن في هذه الرعاية.
وتدور التوقعات في ملفات التحسينات والإصلاحات الداخلية المُتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان وترسيخ الديمقراطية من أولويات الديمقراطيين، ويُتوقع أن تُمارِس إدارة بايدن ضغوطاً على الأردن للسير بهذه الملفات. وفقاً للمصدر (الجزيرة الإخباري)
ووفق ما أضافه المعايطة بأن الرئيس بايدن لديه خبرة كبيرة بالشرق الأوسط، ولديه علاقات قوية مع قادة المنطقة، ومنهم جلالة الملك عبد الله، ولديه أيضاً تصوّر واضح للتعامل مع ملفات المنطقة مثل فلسطين وسوريا واليمن وإيران، وهذا التعامل يبدو أقرب للتّصور الأُردني، أي ستكون مرحلة أقل ضغطاً على الأُردن وموافقها السياسية.
في حين بيّنت المُحللة السياسيّة لميس أندودي أن إدارة ترامب كانت الأقل احتراماً لوضع القُدس القانوني، ووصاية الأُردن على المُقدسات، وأنها الإدارة الوحيدة التي اعترفت بضم القُدس الشرقية إلى إسرائيل وهو ضم غير شرعيّ وفقاً للقانون الدولي، ولم تهتم لمعارضة ورفض الأردن لهذه الخطوة. وأشارت إلى أن إدارة ترامب أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتقوم ما تريد به في القدس، وكذلك الوصاية والمقدسات الدينة، وهذا أضرّ كثيراً بالأُردن ودوره.
وأوضحت أن في عهد ترامب توترت العلاقات بشكلٍ كبير، وأنه لم يأبه لرأي الأردن عندما وضع ما يُسمى بصفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية. وأنه كان توترٌ ملحوظاً بين الولايات المُتحدة الأمريكية والأُردن في ذلك الوقت. وما تسعى إليه الدعوات في الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة النظر بتحسين العلاقات مع الأردن. ووأعربت أن العلاقات بين الدولتين لم تتغيّر، بل كان هناك توتراً حول خطة ترامب التي أيّدت ضم القُدس المُحتلة، مما شجّع إسرائيل لضم أراضي من الضفة الغربيّة ووادي الأُردن. وتابعت أنه لم تحدث هذه الخطوة بعد، لكن كان هناك خوف من أن يعترف ترامب بضم أراضي من الضفة لإسرائيل. وكل ذلك يعتمد على محادثات بين الدولتين حول القُدس وضم الأراضي. وأشارت إلى أن الخوف من أن تقوم إدارة بايدن بتصعيد ضغوط على الأُردن، لقبول تسوية القضية الفلسطينية، وقد تكون خطراً على الأُردن.
في حين أضاف الداود أن ما شكّل ضغوطاً سياسيّة على الأردن هو ضرر ترامب بالمصالح العربية والأُردنية والفلسطينيّة من خلال قراره المُنحاز لإسرائيل بنقل السفارة للقُدس، وما يتعلّق بضم الجولان. وتابع بقوله أن ترامب قد جيّر كُل المصالح لمصلحة إسرائيل فقط، ولم ينظر إلى أية مصلحة إقليميّة أو فلسطينيّة، وهذا شكّل ضغطاً على سياسية الأُردن، وتحديات ضم أراضي فلسطينية لإسرائيل، بالإضافة إلى ضم غور الأردن، والضغط على الأونروا. وقال أن ترامب يود أن يعمل على حل القضيّة الفلسطينية على حساب فلسطين والأُردن.
وبيّن أن التوقعات والمؤشرات تشير إلى أن الأُردن سيعود للدور اللإقليمي النشط لها كما كان سابقاً قبل عهد ترامب. ونوّه أن الأردن لم يخمد، بل تقبّل كُل التحديات التي تمر بها في عهد ترامب، ولولا النشاط والحراك السياسي الأردني بقيادة جلالة الملك لكانت الخسائر السياسيّة في مرحلة ترامب أكثر، لكن الأُردن نجح بكفاءة. وأضاف أن الدور الأُردني الإقليمي وسياسته المتوزانة الوسطية سيكون أكثر نشاطاً في مرحلة بايدن.