منبر البترا – تحقيق: ليان مروان حمزة
“زينة”، شابّة أردنيّة عمرها (36) عاماً، قادها حلمها وشغفها إلى تأسيس شركة مختصّة في التسويق والإعلام، لتصبح واحدة من أبرز العاملين في هذا القطاع في الأردن، تعرّضت “زينة” لضغوط كبيرة، وتنمّر، من قِبَلِ المجتمع والأقارب لعدم إقبالها على الزواج، لكن “زينة” أخذت هذه الضغوط بإيجابيّة، وقررت أن تقوم بتجميد بويضاتها. كان ذلك خيارًا استراتيجيًا بالنسبة لها، إذ أرادت أن تضمن لنفسها فرصة أنْ تكون أمّاً في المستقبل، القرار لم يكن سهلاً، ولكنه كان مشحونًا بالأمل والطموح.
على الجانب الآخر، “دعاء” تبلغ من العمر (32) عامًا، قرّرت أن تصبح أماً في سن (19) عاماً، لقناعتها بأنّ الإنجاب المبكر يجلب السعادة والشعور بالاكتمال، دعاء أم لطفلة عمرها تسعة أعوام، قامت على تربية طفلتها لوحدها، وواجهت العديد من المصاعب والتحدّيات خلال حياتها لتصل لما هي عليه الآن. قصّة “دعاء” تُعدّ من القصص الملهمة التي قد تسلّط الضوء على العديد من الجوانب مثل الزواج المبكر والإنجاب.
هذه التجارب المتبايِنة تعكس تجارب وخيارات متباينة حول الإنجاب ليست موحّدة أو ثابتة للجميع، بل تختلف بناءً على التفضيلات الفرديّة والظروف الصحيّة، والاجتماعيّة، والمهنيّة، ممّا يطرح سؤالاً حول الخيارات التي تمتلكها المرأة في هذا الشأن؟
جدل ونقاش
في السنوات الأخيرة، أصبحت عمليّة تجميد البويضات موضوعًا مثيرًا للجدل والنقاش في المجتمعات المختلفة، وتُعدّ تطّورًا طبيًا يتيح للنساء خيار تأخير الإنجاب أو الاحتفاظ بفرصة الأمومة لأسباب متعدّدة، مثل التركيز على الحياة المهنيّة، أو الإصابة بالأمراض، وعدم الاستعداد النفسيّ والاجتماعيّ للإنجاب في سنّ مبكرة، إلا أنّ هذه التقنية الطبيّة تثير العديد من التساؤلات الأخلاقيّة، والقانونية، والاجتماعية، فهل يُعدّ تجميد البويضات خطوة حقيقيّة لمنح المرأة حريّة أكبر في التخطيط لمستقبلها، أم أنه يضعها أمام ضغوط وتحدّيات جديدة؟
في هذا التحقيق، نستعرض واقع تجميد البويضات في الأردن، من خلال البحث في الأسباب التي تدفع النّساء إلى اللجوء لهذه العمليّة، والتحدّيات التي يواجهنها، وعرض رأي الطبّ في هذا المجال، وهل تجميد البويضات ضرورة طبيّة أم اجتماعيّة أم قرار مستقلّ؟ وفهم التأثيرات الاجتماعيّة والنفسيّة لهذه العمليّة على النّساء والمجتمع ككلّ، وبخاصّة في ظلّ تطوّر تقنيات التجميد وإمكانيّة تخزين البويضات لسنوات.
رأي الطبّ
تواجه معظم النساء اللواتي تعرّضن لظروف قهريّة في حياتهنّ مثلأمراض السرطان، والتأخّر في الزواج، والمشاكل الصحيّة، وقلّة في إنتاج البويضات في سنّ مبكر، عدم القدرة على الإنجاب. يقول الدكتور فراس الكركي أخصائي أمراض النسائيّة والتوليد وأطفال الأنابيب والعقم، إنّ من بين الأسباب وراء تجميد البويضات التعرّض للعلاج الكيميائي والإشعاعي، وهو أحد أكثر الأسباب التي تدفع المرأة لتجميد بويضاتها حتى تحافظ على القدرة الإنجابيّة في المستقبل، وحديثاً ومع تغيّر شكل الحياة وأنماطها أصبح انشغال السيّدات بالعمل والدراسة وعدم إيجاد الزوج المناسب أسباباً إضافيّة تدفع السيّدات للجوء إلى تجميد البويضات. وبالرغم من أنّ التجميد هو قرار آمن للنّساء للحفاظ على فرصة الأمومة، إلا أنّ فكرة تجميد البويضات تواجه العديد من التحدّيات في مجتمعنا.
تشير “زينة” إلى أنّها قررت في عمر الثلاثين الذهاب مع خيار تجميد البويضات، رغم أنّ العديد من الأطباء لم يكونوا مع الفكرة لسببيْن: الأوّل، أنّها غير متزوّجة، والثاني، مرتبط بالكلفة الماليّة التي من الممكن أن تصل بين 15 و 20 ألف دينار أردني. وتقول: “لكنّني اتخذت قراري بِصرف النّظر عن هذه الأسباب ولكي أعطي نفسي فرصة لكي أكون أمّاً في المستقبل”.
ثقافة العَيْب
ويُبيّن الدكتور الكركي أنّ واحدة من أكثر الصعوبات التي تواجه فكرة تجميد البويضات هي ثقافة العيب، مثل ما كانت الحالة عند ظهور فكرة أطفال الأنابيب، لكن هناك تقبّل أكثر لهذه الفكرة الآن، على عكس تجميد البويضات الذي ما زال يلقى بعض الرفض المجتمعيّ. وهذا ما تؤكّده “زينة” بقولها إنّ البعض أساء فهمي واعتقدوا أنّني سآخذ البويضات المجمّدة، وأسافر إلى أمريكا، وأجد متبرّعاً بحيوان منوي لتلقيح البويضة، ويصبح لديّ طفل من دون أب، وهذا غير صحيح، “أنا ما بعمل إشي غلط.” – كما تقول – .
وحسب الدكتور الكركي هناك صعوبات أخرى تواجهها عمليّة تجميد البويضات غير فكرة العيب، وأبرزها الخوف على سلامة غشاء البكارة عند النّساء غير المتزوّجات اللواتي يرغبن بتجميد البويضات، نظراً لأنّ عمليّة سحب البويضات تتمّ عن طريق المهبل، غير أنّ العلم قد عالج هذه المشكلة بإمكانيّة سحبها عن طريق البطن.
وأكّد الدكتور الكركي أهميّة تلقّي الدعم النفسي من العائلة أو الزوج أو المحيط. وعند سؤاله عمّا إذا كان يُسمح للمرأة بتجميد بويضاتها دون علم الأهل والزوج أجاب: “يفضل عدم القيام بهذا الإجراء في حالة عدم علم الزوج أو الأهل في العيادة، بسبب ظروف مجتمعنا وهو مجتمع محافظ” مؤكّداً أنّه يمتنع عن القيام بهذه الخطوة دون علم الزوج أو الأهل.
وأوضح الدكتور الكركي أنّ أفضل الأعمار للقيام بتجميد البويضات، لضمان أعلى نسبة نجاح، هو عمر العشرينيّات أو أوائل الثلاثينيّات للحصول على بويضات ذات جوْدة عالية.
تأثيرات نفسيّة
وبحسب الطبيب فالتأثير النفسيّ لعمليّة التجميد على النّساء يكون حسب سبب التجميد وهو يختلف من حالة لأخرى. فمرضى السرطان أو مخزون مبيض يكون التأثير قليلاً، وحين يكون العمر صغيراً، في العشرينيّات مثلاً، تكون الحالة النفسيّة سيّئة للغاية. أمّا التجميد من دون سبب طبيّ لكن فقط للأمان والاحتفاظ بفرصة للمستقبل فتكون حالتهم النفسية جيّدة. ولفت إلى أنّ من واجب الأطبّاء شرح الإيجابيّات والسلبيّات لهذه العمليّة، وطمأنة المراجع نفسيّاً، وشرح الكيفيّة التي تتمّ فيها عمليّة تجميد البويضات، وطمأنة المراجع أنّ هذه الطريقة تساعد على إيصاله لبرّ الأمان في المستقبل. وعند سؤاله عن الإقناع المفرط بهذا الإجراء من قبل الأطباء لأسباب ماديّة، استبعد أن يكون هناك حالات من هذا النوع بسبب جوْدة الطب المرتفعة في الأردن .
تُبرز قصّتا “زينة” و”دعاء” جانبيْن مختلفيْن من خيارات الحياة التي يمكن أن تتخذها النساء. سواء اختارت المرأة تجميد بويضاتها مثل “زينة” أو الإنجاب في وقت مبكر رغم الصعوبات مثل “دعاء”، فإنّ كلّ قرار يحمل في طيّاته تحدّيات وفرصًا فريدة، الأهم هو أن يكون الخيار مبنيًا على قناعات شخصيّة ودعم من البيئة المحيطة، سواء كان ذلك لتحقيق النجاح المهنيّ أو لبناء أسرة سعيدة.
وهنا نسلّط الضوء على أهميّة دعم النّساء، بِصرف النّظر عن اختياراتهنّ، وتوفير بيئة تشجّع على الحوار وتفهم اختلاف التوجهات، إضافة إلى الدعوة لتعزيز الوعي المجتمعي حول قضايا الخصوبة والصحّة الإنجابيّة كحق أساسيّ للمرأة.. والخيارات المتاحة لهنّ، وضرورة كسر الحواجز التي تمنع المرأة من الوصول إلى الرعاية الصحيّة اللازمة في هذا الجانب.
قاعدتان شرعيّتان
ويُذكر أنّ مجلس الإفتاء الأردني كان قد أصدر قراراً بشأن تجميد البويضات بتاريخ (2 ربيع الثاني، 1439ه الموافق 21/11/2017م) ويحمل الرقم (248) (17/2017) وينصّ على أنّ تجميد النطف (الحيوانات المنويّة أو البويضات) من المسائل المستحدَثة نتيجة لتقدّم العلوم الطبيّة وأنّ الحكم الشرعيّ حول هذه المسائل يتأسّس على قاعدتيْن شرعيتيْن هما:
الأولى: إنّ الأصل في التطبّب والعلاج هو الإباحة والسعة، فقد قال عليه الصلاة والسّلام: (تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ) [مسند أحمد].
والثانية: حفظ الأنساب من الاختلاط، ومراعاة حُرمة عقد الزوجيّة.
فإذا التزم أصحاب النطف المجمّدة بعدم تلقيحها إلا حال قيام الزوجيّة بعقد زواج صحيح، فلا حرج عليهم في اتّخاذ هذه الوسيلة عند الحاجة إليها، وسواء سحبت هذه النطف وجمّدت خلال العزوبة أو عقد زواج سابق، فليس ذلك بفرق مؤثر، المهمّ أنّ حرمة التلقيح لا تُقتحم إلا في ظلّ عقد زواج صحيح عند التلقيح من قبل الزوجيْن. ولو احتاطت المرأة، فلم تقم بتجميد البُويضة إلا خلال عقد الزواج الذي تعزم على التلقيح منه فهو أولى وأفضل.