منبر البترا
أعمال صحفية مقالات

الاستقلال الاردني التاسع والسبعون… وعيٌ لا يصدأ

بقلم: إبراهيم السيوف – كلية القانون / جامعة البترا

نحن جيل لم نعاصر الاستعمار، لكننا نحمل في ذاكرتنا الوطنية صوته، نقرأه في أسماء الشهداء، ونلمحه في التجاعيد العميقة لوجه الوطن الذي لم يهن، ولم يُساوم، ولم ينكسر.

نحن طلاب هذا الجيل، لسنا رواة حكايات، بل ورثة قضية.
قضيةُ وطنٍ قرر أن يكون سيدًا لا تابعًا، حرًّا لا رهينة، حاضرًا لا ظلًا في خرائط الآخرين.

في عيد الاستقلال التاسع والسبعين، لا نحتفل، بل نتأهب.

فالاستقلال ليس لحظة عابرة في كتاب تاريخ، بل موقفٌ يتجدد مع كل تحدٍ، ومع كل محاولة لزحزحة هذا الكيان عن ثوابته.

إننا نعرف أن الطريق الذي سلكه أجدادنا إلى الاستقلال، لم يكن مفروشًا بشعارات، بل مفروشًا بالمعاناة، بالتعب، وبالدم النقيّ.

ولذلك، فإن الحديث عن الاستقلال في جامعاتنا لا يجب أن يبقى محصورًا في احتفالات البروتوكول، بل يجب أن يكون حوارًا مفتوحًا عن معنى السيادة، عن تحديات الهوية، عن سؤال: كيف نكون أردنيين على مستوى الفكرة لا الهوية الورقية؟

نعم، الجامعات ليست مضافة معرفية، بل ساحة اشتباك فكري.

هي المساحة الوحيدة التي يمكن أن تُربى فيها السيادة بعيدًا عن التصفيق وأقواس النصر.
وحين تنهض الجامعة بوظيفتها الحقيقية، فإنها لا تُخرّج موظفين، بل تُخرج حُماة مشروع وطنيّ طويل النفس، يدركون أن الاستقلال لا يُصان بالخطب، بل بتراكم الفهم، وثبات الموقف، وعمق الرؤية.

الطالب الأردني ليس كائنًا مستهلكًا للمعرفة، بل هو أحد ركائز بناء الدولة الحديثة، الدولة التي لا يُدار فيها الشعب، بل يُشارك.
ولذلك فإن المسؤولية الواقعة على أكتافنا في الجامعات ليست في “أن ننجح” فحسب، بل في أن نُدرك لماذا ندرس، ولماذا ننتمي، ولماذا لا يجوز أن نكون محايدين في قضايا الوطن.

فالحياد، في زمن تآكل الهويات، خيانة ناعمة.

عيد الاستقلال اليوم ليس مرآة للماضي فقط، بل هو سؤالٌ معلّق على عنق كل طالب:

هل نفهم معنى أن نكون أردنيين في زمن العولمة؟
هل نعي خطورة أن نتحول إلى جيل مشلول سياسيًا؟
هل نُدرك أن محو الاستقلال يبدأ من إفراغ الطالب من فكرته، قبل أن يبدأ من الحدود؟

إن الطالب الذي لا يُشغله الوطن، هو مشروع فراغ.
وإن الجامعة التي تُقصي السياسة من يومياتها، هي جامعة بلا ذاكرة.
وإن الوطن الذي لا يستثمر في عقله الجامعي، هو وطن ينتحر ببطء.

ولذلك، نحن في جامعة البترا – كما في كل جامعات الأردن – لا نكتب عن الاستقلال لتجميل الواجهة، بل لنُعمّق الجذور.

نكتب كي لا يُسرق صوتنا من خلف الميكروفونات.
نكتب لأن الاستقلال ليس هدية من التاريخ، بل مسؤولية أمام المستقبل.

في عيد الاستقلال التاسع والسبعين، نجدد بيعتنا لا للنظام السياسي فحسب، بل للفكرة الأردنية الكبرى: أن هذا الوطن ليس صدفة، بل ضرورة.

ضرورةٌ في جغرافيا تتهاوى،
وصوتٌ عاقل في شرقٍ يعجّ بالصراخ،
ودولةٌ تأسست على العقل، لا على النزوة.

عاش الأردن سيدًا،

وعاش الملك حاملًا لواء البقاء والكرامة،

وعاشت الجامعات ساحات اشتباك فكري، لا زينة في بنية الدولة،

وعاش الطالب الأردني حرًّا، حيًّا، صلبًا، مقاومًا بالنص، وبالموقف، وبالهوية

Related posts

الستيني والطائرة

(إِشْهــار بــراءَهَ)

أساليب تدريس اللغة العربية

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com