الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الدليمي
أستاذ الدعاية والاعلام /جامعة البترا/ عمان الأردن
بالرغم من كل التطورات التقنية والتكنولوجيا في عالم الاتصال وما يمكن أن تقدمهُ وسائل الإعلام باعتبارها جزءاً من الاتصال في العصر الحديث، إلا أنها تمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه النمو والتطور العقلي الصحيح لدى طلبة تخصص الاعلام ، بل لعله ليس من المبالغة القول أن الثورة الإعلامية الحديثة تحتم تطوير المواد التدريسية لمنهج الإعلام في الجامعات بما يؤسس لفتح أبعاد جديدة وتعزز الوعي الإعلامي لديهم وإكسابهم مهارات التفكير الناقد و تحصنهم من التأثيرات السلبية التي قد يتعرضون إليها بدون إدراك صحيح، فالطالب في السنوات الأخيرة أصبح معرّض بشكل أكبر للتفاعل الإعلامي المباشر، وكما معروف بأن لهذه العملية سلبيات كبيرة وايجابيات أيضاً، فوعي ومستويات الطلبة في مسألة الإعلام وخطورته محدودة، لذلك فتطويرالتعليم الإعلامي في هذه المرحلة أصبح ضرورة ملحة وهنا لابد من القاء نظرة على واقع تعليم الاعلام في بعض تجارب الدول الاخرى.
مستقبل تدريس الإعلام في كندا:
تطور تدريس الإعلام كتخصص مستقل في الجامعات الكندية مثل ما فعلت جامعة كولومبيا. كما طورت الجامعات الأخرى عشرات البرامج التدريبية الإعلامية بكلا اللغتين الفرنسية والإنجليزية مثل جامعة أوتاواه، وتورينتو وأونتاريو ولندن وجامعة كولومبيا البريطانية. ولكن على الرغم من ذلك فإن محدودية السوق الإعلامية دفعت الطلاب بعد تخرجهم بدرجة البكالوريوس إلى العودة إلى الجامعات لتلقي برامج التدريب في فيها. ومع بداية القرن الواحد والعشرين أظهرت كندا شيئاً من التفاؤل نحو تشكيل هويتها الإعلامية والثقافية الخاصة والمستقلة والبعيدة عن الأمريكية بكلا لغتيها الفرنسية والانجليزية التي تؤهلها لدخول السوق الإعلامية العالمية .
تجهيز الصحافيين والعاملين في قطاع الاتصالات للمستقبل
يعتبر تعليم الإتصالات من القطاعات النشطة في الولايات المتحدة بالرغم من حالة الركود الاقتصادي وتدني الرواتب في هذا القطاع، حيث يوجد هناك أكثر من 400 تخصص في مجال الإتصالات العامة تدرس في الجامعات والكليات، حيث يتطلب العمل في هذا القطاع الشهادة الأكاديمية، ويتم توزيع الوظائف بين خريجين هذا التخصص بين قطاع الصحافة وقطاع العلاقات العامة وقطاع الدعاية والإعلان. كما تقوم الجامعات والكليات بتهيئة الطلاب الذين يدرسون هذه التخصصات للقضايا التي التهم الولايات المتحدة الأمريكية وكيفية تقديم الأخبار بأكثر من وسيلة فيتم تدريبهم على وسائل الإتصالات المتعددة. فهناك بعض أجهزة الإعلام التي إكتفت بنقل ما تطبعه إلى الشبكة العنكبوتية بينما قامت أجهزة إعلامية أخرى بخطوات أكثر جدية في هذا المجال حين إستعملوا البث المباشر على الإنترنت وعمل المواقع والنشر الواسع لما تنشره على الإنترنت، حيث يتم عمل كل ذلك بعد تدريس طرق البحث والتفكير الإبداعي والكتابة لموظفيها. وقد نهجت الجامعات والكليات التي تدرس العلاقات والدعاية والإعلان هذا النهج حتى تهيأ طلابها لما تشترطه أجهزة الإعلام والشركات في موظفيها، مما خلق نوعاً من التحدي للقائمين على هذه البرامج لصعوبة إختيار المناهج وما يتوقع من طلاب هذه التخصصات.
من التحديات القائمة التي تواجه قطاع تعليم الصحافة هو في حقيقة دور هذا التخصص في هذا المجال! فجامعة كولومبيا العريقة قررت إعادة تقييم دور الصحافة في الدرجات العلمية المتقدمة، فالموازنة بين المهارات العملية والدراسة النظرية يعتبر من المواضيع التي تناقش على الدوام في هذه الأوساط. يعتقد Orville Schell العميد في جامعة كاليفورنيا بأنّ إعتقاد أنّ المهارات العملية في الصحافة تأتي فقط عن طريق العمل في هذا المجال، هو إعتقاد خاطئ، فالحاجة للمدارس لا زال ضرورية لتدريس الصحافة مع ضرورة التنبه تدريس مواد التاريخ والاقتصاد والأدب لطلاب تخصصات الصحافة والاتصالات.
مع وجود الديمقراطية ونظام إعلامي دقيق، تمكنت كندا من دخول القرن الواحد والعشرين بأمل إيجابي في النجاح إعلامياً حيث الحافز بضرورة إيجاد هوية وطنية مميزة مع وجود الحذر من التأثير الأمريكي عليها، ومراقبة التاريخ الفرنسي والبريطاني عندها.
ساهمت الحرية الإعلامية والعائدات الضخمة من سوق الدعاية والإعلان على جعل أجهزة الأعلام الأمريكية تلعب دوراً عالمياً متوقع الحدوث من دولة عظمى في العالم. حيث تساهم هذه الأجهزة في تشكيل الخطط العامة في الدولة والمشاركة في الدبلوماسية العامة. فأجهزة الإعلام الأمريكية بالرغم من وجود العديد من الانتقادات الموجهة ضدها إلا إنّ ذلك لا يغير من حقيقة تأثيرها القوي على العالم، خصوصاً أنها في حال تطور وإندماج دائم من أجل السيطرة على السوق الإعلامي والتجاري.
التعليم الصحفي:
تختلف نظرة نيوزلندة واستراليا إلى التعليم الإعلامي. فمعظم العاملين في الإعلام هم من خريجي اقسام الصحافة في الجامعات وتوظف بعض المؤسسات الإعلامية الخريجين من تخصصات القانون والاقتصاد. اما التعليم الإعلامي في نيوزيلندا فهو أكثر تحفظا. فالعديد من العاملين في المجال هم من حملة درجة الدبلوم في الإعلام، ثم تحولت هذه المعاهد الى جامعة لجذب المزيد من الطلبة وهو ما حصل بالفعل.
تؤثر صناعة الإعلام والمعلمون بقوة على اليات التعليم. ففي منتصف التسعينات هددت بعض المؤسسات الإعلامية بايقاف توظيف خريجي المعاهد في العاصمة ولنجتون الا اذا اعيد تنظيم تلك المعاهد. فالتقييم يركز على اداء الطلبة و المعلمين حيث يتدرب الطلبة في الصحف لبضع اسابيع كزمالة تدريبية وهو جزء اساسي في التوظيف الصحفي فيما بعد. فثمانون بالمائة من المؤسسات توظف 2500 طالب بعد التخرج، في حين ان الارقام غير دقيقة في أستراليا لاتساع مساحة البلاد ولكن بحسب التقديرات فان عدد الطلاب العاملين بعد التخرج يتراوح بين 250 -300 من كل الف طالب. وتقوم أكبر مؤسستين إعلاميتين news ltd و Fairfax بتدريب الطلبة وتوظيفهم بعد التخرج
التعليم والتدريب الصحفي:
ما زال بعض الصحفيين يتلقون تدريبهم أثناء العمل في بعض الدول الأسيوية، فآسيا تقدم برامج تدريبية وافرة تتقدم في مستواها على مناطق العالم المختلفة ما عدا أمريكا الشمالية. حيث تتبع نصف دول القارة النموذج الأمريكي في منح درجة أكاديمية في الاتصالات والإعلام والتدريب الذي يرافق التعليم.
شرقي آسيا:
إنّ التعليم الإعلامي يتعاظم في الصين يوماً بعد يوم بفعل المنافسة والنزعة الظاهره في في هذا المجال نحو العمل بمهنية عالية. فجامعة بكين وجامعة تسنج تعتبران من أعرق الجامعات في هذا المجال حيث بدأتا إدخال برنامج التعليم الصحفي منذ عام 2001 وتشهد الجامعتان إقبالا وشعبية من الطلبة على دراسة الإعلام مع الأخذ بعين الإعتبار ضرورة التدريب الإعلامي في الصين، كما تمنح جامعة ثالثة درجة الماجستير في الإعلام.
جنوب آسيا:
تتميز الهند من بين دول جنوب آسيا بكبر حجم التعليم الإعلامي في جامعاتها التي تصل في عددها إلى الخمسين، كما تمنح بعضها درجة الدكتوراه في الإعلام والإتصلات، بالإضافة إلى مجموعة من المراكز التعليمية الأفضل تجهيزاً في المنطقة والتي من خلال برامجها ومعلميها تحضر الطالب لامتهان الإعلام بجدارة. ومن أهم المراكز التعليمية في جنوب آسيا “المركز الهندي للاتصالات” الذي تأسس في عام 1965 في مدينة دلهي كمركز متقدم في دراسات وأبحاث الاتصالات. ولا يقتصر التعليم والتدريب الإعلامي لهذه المراكز على الهند بل يشمل الدول المجاورة أيضاً.
جنوب شرقي آسيا:
يمر الإعلام في جنوب شرق آسيا بتغيرات كبيرة حيث يحتاج التعليم الإعلامي إلى التطوير والاحتراف. فهناك حاجتان رئيستين للتدريب الإعلامي: الأولى الحاجة إلى مدربين مهرة والثانية الحاجة إلى مؤسسات ومراكز تدريبية متخصصة. ولتلبية الاحتياجات قامت شركة “Media link ” الإعلامية العالمية بعقد دورات لتدريب المدربين في بانكوك وكمبوديا والهند واندونيسا ولاوس وماليزيا وتايلاند وفيتنام حيث قام بالتدريب مدربون مهرة من الهند وأستراليا.
يتخذ التعليم الإعلامي طابع الدورات القصيرة في لاوس وكمبوديا أو مكثف ومتقدم كما هو في سنغافورة، “فمركز الإعلام والاتصال الأسيوي” السنغافوري يعنى بأبحاث الاتصالات والتدريب و النشر والتطوير الإعلامي. وهو على تواصل عملي مع عدد من الجامعات والمراكز الهامة مثل جامعة نايانج السنغافورية للتكنولوجيا والتي أصبحت واحدة من افضل الجامعات في تدريس الإعلام في آسيا.
المحيط الهادئ:
تقدم جامعة غينيا الجديدة وجامعة جنوب المحيط في فيجي أفضل البرامج الإعلامية في المنطقة. وتساعد كل من أستراليا ونيوزيلندا في مجال التدريب بتقديم المنح الطلابية وورشات العمل والمؤتمرات والجوائز لتحسين أداء الإعلام والإعلاميين.
افاق المستقبل
إنّ الإعلام في آسيا على مفترق طرق فلدى الأسيويين الإمكانات ليرتقوا عن الصحافة الصفراء وقيود الرقابة الذاتية ويخرجوا من مستنقع الفساد إلى الإخلاص في العمل. وربما بمساعدة التكنولوجيا يمكنهم ان يجسروا فجوة التدفق ألمعلوماتي بين الشمال والجنوب. كما تتوقع الجمعية العالمية للصحافة أن تتضاعف نسب بيع الصحف في آسيا في السنوات القادمة وتنخفض في اوروبا وأمريكا. وأمام آسيا الان فرصة تاريخية للوصول للعظمة بفضل موجة التحرر التي تجتاح القارة والنمو الإقتصادي – بالرغم من وجود الأزمة الإقتصادية- وزيادة نسبة القراءة للصحف، فبمحاربة الإثارة والرقابة الذاتية يمكن للإعلام أن يتطور. أما الحرية الصحفية فما زالت هشة في آسيا فتواصل سوء استخدام الإعلام من الممكن أن يؤدي إلا أن ينهار. إنّ نجاح الصحافة في آسيا يعتمد على النضج في ممارسة الحرية الإعلامية أما الدول حديثة العهد بالديمقراطية فستحتاج بعض الوقت لتتعلم كيف توظف الحرية الإعلامية بدلاً من إستغلالها وعلى الصحفيين المحصورين ضمن حدودهم الثقافية أن يتجاوزا مصالحهم وإرضاء حكوماتهم والنظر إلى مصلحة الناس العامة.
يعتمد تطوير الإعلام الصيني على القيادات الشابة الواعدة وتغيير القوانين التي بدأ الجدل حولها مؤخراً. وفعلاً قد بدأ المسئولون الصينيون حث وتشجيع الإعلاميين على تحرير أفكارهم وهو مؤشر طيب. ولم تعد عولمة الإعلام مجرد رؤية بل حقيقة واقعة حتى في دولة كالصين التي لم تكن لتتخيل حدوث الأمر فيما مضى. وبانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية ليس أمامها خيار سوى تجنيد طاقاتها للمنافسة في السوق المفتوح. والأمر يصدق على الدول الأسيوية الأخرى، مع أنّ بعض الشركات نجحت نجاحا باهرا مثلSTAR TV وعدد آخر من الجرائد والمجلات.
لذلك فإنّ الخطوة القادمة لدى صحفيو اغلب دول العالم هي الإتجاه نحو العالمية. ولكن هل يملك الصحفيون والمحررون الأفق اللازم لاتخاذ مثل هذه الخطوة؟ نأمل ذلك كما يأمل الصحفيون في اماكن كثيرة من العالم أن يتدربوا على “صحافة السلام” فيما يتعلق بحجم المشاكل التي تواجه العالم اليوم وغدا. وكلنا اليوم أحوج ما نكون إلى صحافة السلام أكثر من اي وقت مضى.
(*) هذا الموضوع جزء من بحث علمي اعده الباحث لنشره لاحقا