منبر البترا
أعمال صحفية

الأكاديميّة والأديبة أماني سليمان: لا أَتخيَّل إعلامِيّاً مُبْدِعاً دون ثقافة نَوعيّة

منبر البترا – أجرى الحوار: محمد العجور

الدّكتورة أماني سليمان داود، كاتبة لها العديد من المؤلّفات النقديّة والقصصيّة مثل (شخوص الكاتبة)، و(سمّه المفتاح إنْ شئت)، و(جوار الماء)، وأحدثهم (غيمة يتدلى منها حبل سميك). حصلت على جائزة خليل قنديل للقصّة القصيرة عام 2018، ووصلت إلى القائمة الطويلة في جائزة الملتقى للقصّة القصيرة في دورتها الخامسة عام 2023، وهي عضو الهيئة العامة لرابطة الكتاب الأردنيّين، وعضو الهيئة العامة لنقابة الصحفيّين الأردنيّين، وعضو جمعيّة النقّاد الأردنيّين. عملت في مجال الصحافة الثقافيّة المكتوبة، كما أعدّت وقدّمت برنامجاً ثقافيّا إذاعيّاً.

“منبر البترا” حاوَرَت الدّكتورة أماني سليمان، أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة البترا، والحاصِلة على شهادة الدكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها، وشهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها.

بين الأدب والصحافة

منبر البترا: بدايةً دكتورة أماني أودّ أن أسألك عن بداياتك الأدبيّة والصحفيّة، كيف كانت، وهل كان هناك رابط بينهما؟

د. أماني سليمان: بدأتُ النشر في جريدة الدستور وجريدة الأسبوع منذ الصف العاشر، كنت أكتب بعض الخواطر الأدبية والشعرية القصيرة، وأصبحت في السنة الثانية من دراستي في الجامعة الأردنية عضو هيئة تحرير في جريدة (صوت الطلبة)، حيث كنت أراجع المقالات والمشاركات الأدبية التي ترد من طلبة الجامعة من كافة الكليّات والتخصصات؛ فأحررها وأدققها ثم أرسلها إلى مطبعة الجامعة الأردنية، إضافة إلى قيامي بعمل تحقيقات ومقابلات صحفية مع الطلبة وأساتذة الجامعة عن بعض القضايا والمواضيع التي تهم طلبة الجامعة.

 تخرّجتُ من قسم اللغة العربيّة وآدابها وبدأت العمل في الصحافة الأسبوعية ثم انتقلت للعمل في الصحافة اليومية، بدأت في قسم التحقيقات المحلية، ثم انتقلت إلى قسم الثقافة، وكان لديّ زاوية أسبوعية مخصّصة للقاء الأدباء في مكتباتهم للحديث عن الكتابة والكتب، أثناء ذلك كنت أعمل على تثقيف نفسي بالقراءة المستمرّة ومتابعة المشهد الثقافي المحلي من مهرجانات مسرحية، وسينمائية، وندوات ثقافية وفكرية وغيرها، ثم ابتدأت بالتوجه إلى استكمال دراساتي العليا مع الاستمرار في العمل الصحفي المكتوب في مرحلة الماجستير، كنت أُعبّر في تلك المرحلة عن نفسي بما تمليه عّلّيّ حالتي الكتابية من شكل شعري أو نثري، لأختار بعدها الكتابة القصصية على نحو خاصّ، حيث بدأتُ كتابة القصص  من غير اهتمام بنشرها منفردة،  بعد ذلك بسنوات نشرت مجموعتي الأولى (شخوص الكاتبة)، وكنت قد أنهيت دراسة الدكتوراه، لتتوالى بعدها مجموعاتي القصصية التالية (سمّه المفتاح إنْ شِئْت) و(جوار الماء)، و( غيمة يتدلى منها حبلٌ سميك).

فيما يتعلق بالرابط بين الصحافة والأدب لا شكّ تعلم أنّ الصحافة خرَّجَتْ أدباء ابتدأوا حياتهم في العمل الصحفي وأخذوا يذهبون بالتدريج باتجاه الكتابة الأدبية. ومن دون شكّ فإنّ الصحافة مدرسة غنية للمبدع تمنحه فرصةً للاطّلاع على (الشارع) والواقع وحياة الناس التي تدور خارج نطاق الكتب، فَيُماحِكُها ويفهمها ويحاول رسم صور حقيقية عن المكان والإنسان فيها، مما يمكّنه من التعبير عن هذه العوالم بوعي المُحْتَكّ بها، لا من زاوية المنظِّر لها أو الجالس في برج عاجي. حين توجهتُ للكتابة الإبداعية. فيما بعد كانت تجربتي العمليّة في الصحافة مخزوناً مهماً ساعدني في “رسم” شخوص قصصي وعوالمها المتنوّعة، ومكنّتني من استثمار لغة الحياة والفكر والمعجم اللغويّ المناسب للواقع.

منبر البترا: هل تفضلين الجانب الأدبيّ أم الصحفيّ، أو تميلين إلى واحد منهما أكثر من الثاني؟

د. أماني سليمان: في المرحلة الأولى من حياتي العملية كنت مشغوفة بالعمل الصحفي، بما يمنحه من حرية في الحركة ومن نشاط وتفاعل يومي مع الحياة والناس والواقع، فضلاً عن كونه عملاً غير روتيني، وكما يسمّونه (مهنة المتاعب)، كان في الواقع يحقق رغباتي وحماسي، لقد كانت بلا شك تجربة ممتعة ومفيدة وغنيّة. فيما بعد أخذ طموحي يتجاوز ما يمكن لهذه المهنة أن تمنحني إياه، وما يرضي حاجتي الفكرية والعقلية، ورغبت أن أتعمّق أكثر في الأدب تحديداً وأتفرغ أكثر للتسلّح بقراءات نقدية واعية، ومع ذلك لم أنقطع عن الكتابة الصحفية، فقد توجّهت إلى شكل من الكتابة النقدية وعرض الكتب التي تناسب النشر في الصحف والمجلات الثقافية، وفيما بعد عملت في الإعلام المسموع حيث أعددتُ وقدّمت برنامجاً ثقافياً لإذاعة مجمع اللغة العربية لاقى ترحيباً محليّاً وعربيّاً.

منبر البترا: بما أنك عملتِ في الصحافة، كيف يمكنُ أن ننتج عملاً صحفيّاً جيّداً يتناسب مع مستويات الجمهور؟

د. أماني سليمان: العمل الصحفي الجيّد هو الذي يلقى صدى طيّباً عند الجمهور، وهذا لا يتحقق إلا حين يدرك حاجة المتلقي أولاً، بمعنى أن يتوخّى هموم المواطن وحاجات الناس بمختلف طبقاتهم، ويحيط باهتماماتهم ويعرض لهمومهم ومعاناتهم، ويعبر عن أحلامهم وآمالهم، هذا من جهة، من جهة ثانية يجب على الصحافة أن تكون صادقة مع جمهورها بأن تقدم لهم الخبر الحقيقي الصادق غير المراوغ أو المخادع، فهي صوتهم وهي منبرهم ولابدّ أن تتحدث باسمهم.

حين نتحدث عن الجمهور نتحدث بالضّرورة عن طبقات من المتعلّمين وغير المتعلّمين، نتحدث عن النخبة وعن البسطاء من الشعب، والعمل الصحفي الجيد يجب أن يكون قادرا على مخاطبة كل هذه الفئات بلغة تناسب كلاّ منهم، وتصل إليهم، وفعلياً فإن الصحف الجيّدة هي التي تنوّع في صفحاتها على مستوى المواضيع المتخصّصة والعامّة، وكذلك في أساليب الخطاب العالية والعادّية، الجادة والساخرة، فضلاً عن تخصيصها صفحات للتسلية والفنون والثقافة.

لكن كل ذلك لا يتحقق إن لم تمتلك الصحافة حرياتها في التعبير، ومساحاتها التي تمكّنها من إيصال رسالاتها والتعبير عن جمهورها وتثقيفهم وتنويرهم بلا إملاءات. يعني على الصحافة أن تمتلك سقوفاً من الحريّة عالية ومساحة رحبة منها، لكي تصل إلى جمهورها.

طبعا نحن في هذا الإطار لا نتحدث عن الصحافة المكتوبة وحسب، فكل ما تقدّم ينطبق على الصحافة الإلكترونية والمنابر والقنوات الإعلامية المختلفة.

4 منبر البترا: كيف يمكن أن ندمج الأدب مع الصحافة لإنتاج محتوى ثقافي ذي فائدة؟

د. أماني سليمان: لا أستطيع أن أتخيل صحفياً أو إعلامياً مبدعاً أيّاً كان مجال عمله (صحافة مطبوعة، أو إلكتروينة، أو إعلام مسموع أو مرئي)، من غير أن يكون متسلحاً بثقافة نوعية ومنوعة، والأدب ينبغي أن يكون جزءاً من هذه الثقافة لما تضفيه من وعي لغوي وفكري على صاحبه، حينها سينعكس هذا الوعي على اختيارات الصحفي وتوجهاته التي لن يقبل حينها أن تكون تافهة أو سخيفة أو مفرغة من المعنى النبيل والمفيد، سيتعمّد اختيار ما ينفع الناس ويساعدعم على تجاوز أزماتهم، عبر تثقيفهم وإرشادهم لما فيه الخير لهم ولحياتهم. وإذن فإن الأدب يتصل اتصالاً وثيقاً بالصحافة، وبالضرورة يُطوّر من أداء الصحفي وينهض بفكره ووعيه وتصوّره لأهمية إنتاج محتوى نافع ومفيد.

الجانب الادبي

منبر البترا: دكتورة لك العديد من المؤلفات مثل (غيمة يتدلى منها حبل سميك) و(سمه المفتاح أن شئت)، من هو الكاتب الذي أثَّر في أسلوب كتابتك؟

د. أماني سليمان: لابدّ لمن يرغب أن يصبح كاتباً وأديباً أن يتحصّن بقراءات طويلة المدى، ومنوّعة المشارب والأساليب والتوجهات والطروحات، وأن لا يركز على نوع محدد منها، إذ في بدايات الكتابة يختلط صوت الكاتب بأصوات الكتّاب الآخرين، ثم إذا نهض بثقافته ووعيه وتجربته الكتابية يكتسب لنفسه صوتاً خاصاً به، يُعرَف به، ويتميز به.. ولعلّ ذلك يأخذ بعض الوقت ويتطلّب الكثير من الصبر، والعديد من المحاولات.

في الواقع قرأتُ لأبرز الكتّاب العرب والعالميين، أحببتُ تشيخوف، وماركيز، وكولن ولسون، وتولستوي، وتي إس إليوت، وفولتير، ووليام فوكنر.. وغيرهم، ومن العرب أحببتُ غسان كنفاني، ونجيب محفوظ، وزكريا تامر، وإلياس فركوح، ومحمود شقير، وجمال أبو حمدان، وبدر شاكر السيّاب، وأمل دنقل.. وغيرهم.. كل مَنْ قرأتُ له من الكتّاب الجيدين ترك بصمته بالضرورة في تجربتي، تلك البصمة التي لا تظهر بشكل جليّ، وإنما ينعكس ظلّ من ظلالها غير الملموسة.

منبر البترا: عندما قرأت كتاب (جوار الماء) و(غيمة يتدلى منها حبل سميك) وجدتك تستخدمين الرموز والدلالات التي تحتاج إلى تركيزٍ عالٍ من القالاىء كي يستوعب دلالاتها.. ما السبب في ذلك؟

د. أماني سليمان: الكتابة الإبداعية في مقامها الأول تقوم على اللغة الاستعارية المجازية لا اللغة المباشِرة، فهي ليست مجرد لغة إبلاغيّة يُطلب منها إيصال رسالة إلى مستقبِل، بل لغة جمالية تأثيريّة غايتها التأثير في وجدان المتلقي، فالأديب يحاول أن يرسم عالماً فنياً متخيّلا، ولا يرسم صورة مطابقة للواقع بلغة الواقع، بل يقدّم أفكاره عن هذا الواقع بطريقة موارِبة غير مباشرة عبر رموز وصور أو أحداث غرائبية فهذا الأسلوب أكثر جذباً وتشويقاً، وأقدر على حمل الدلالات والتأويلات المتنوّعة، كما أنه يدفع المتلقي للتفكير والبحث عن مقاصد الكاتب ومُراده.

اللغة العربية

منبر البترا: كما نرى دكتورة هناك تراجع في مستوى اللغة العربية على جميع المناحي وقلّة اهتمام بها ما السبب في ذلك؟

د. أماني سليمان: ثمّة فهم اجتماعي مغلوط يتّصل باعتبار اللغة العربيّة لغة متخلّفة، من يُتقنها رجعي وتقليدي، ومن يتقن اللغات الأخرى متقدم ومواكب للحضارة، لذا نجد توجّهاً نحو تعلّم اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، وانفضاضاً عن تعلّم اللغة العربيّة.

إضافة إلى ذلك فإنّ أساليب تعلم اللغة الإنجليزية والمحتوى التعليمي الإلكتروني لها أكثر جذباً ما يدفع الكثيرين إلى الانتفاع منها وتطوير مهاراتهم فيها ليلحقوا بسوق العمل المحلي والعالمي الذي اقتنع الجميع بأنّ المرء لن يكون له مكان فيه من غير تلك اللغة، باعتبارها لغة العمل في العصر الحديث.

ناهيك عن أنّ المحتوى الترفيهي الجاذِب للجيل الجديد من عوالم “ديجتال” وألعاب إلكترونية كلها مؤثثة باللغة الإنجليزية، ما يجعل الطفل في العائلة العربيّة قبل أن يتعلم العربية، يتحدث الإنجليزية.

وفي الجانب التربوي التعليمي فإنّ طرق تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس وكتب اللغة الإنجليزية (في المدارس الخاصّة على وجه التحديد) أكثر جذباً وتشويقاً للطلبة.

نتيجة ذلك كله وجدنا تراجعاً في العربية، ونواجه ظاهرة (العربيزي) ومظاهر السخرية من دارسي اللغة العربية أو المتحدّثين بها، هذا ونحن في بلاد عربيّة تقوم ثقافتها وفكرها ودينها على اللغة العربيّة.

Related posts

“الدُّخان” في صدورِ أطفالنا… من المَسؤول؟؟!!

ahmad shtayyat

“بيت مليح”مكتبة ثقافية ريادية ذات لمسة إبداعية فريدة

admin user

الأردن بالمرتبة الأولى بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا كوجهةٍ للسياحة العلاجية

admin user

اترك تعليقا

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com