تحذيرات من خُطورة انتشار التّدخين بين الأطفال والقاصرين
منبر البترا – تحقيق: دانا النجار – ليس هناك أقسى من مشهد لطفل لم يتجاوز الـ 10 سنوات من عمره يملأ رئتيه بأدخنة وسموم وهو لا يزال في سنّ النموّ والانطلاق، ويقضي بقيّة حياته مدمّر الصحّة أسير المرض.
كثيرة هي الخطوات التي تتّخذها الحكومة لمحاربة التدخين، لكن خطوات أكثر حسماً نحتاجها من أجل وقف زحف هذه العادة اللعينة لا سيّما بعد انتشارها مؤخراً بين الأطفال دون أيّ رادع من أصحاب تلك المقاهي التي تقدّم الشيشة دون ضوابط أو أخلاقيات فضلاً عن محال تبيع السجائر للطلبة أمام المدارس بشكل يخالف القانون.
تقول هبة الخالدي طالبة جامعيّة إنّ التدخين انتشر بصورة كثيفة في الفترة الأخيرة وبخاصّة بين الأطفال والمراهقين وهو ما يثير القلق نحو المجتمع، إذ إنّ الصغار هم بناة المجتمع وهم من يرسمون المستقبل بسلوكهم وعاداتهم التي يتبعونها منذ الصغر.
وتابعت: إنّ انتشار التدخين بين الصغار يحتاج إلى وقفة الخبراء والمتخصصين لدراسة الأسباب التي أدت إلى ذلك والدوافع التي تقودهم إلى التدخين في هذه المرحلة المبكرة، وأيضاً وقفة من الدولة متمثله في وضع عقوبات رادعة للمقاهي و”الكافيهات” التي تقدّم التدخين بأنواعه للقاصرين سواء كان سجائر أو “الأرجيلة”.
عقوبة المقاهي التي تقدّم التدخين للقاصرين
أوضح محمد المحتسب صحفي وناشط اجتماعي، أنه لا يمكن توقيع عقوبة على الطفل أو المراهق المدخن: ” لايجوز أن احبسه وأدخله الأحداث” ولكن ينبغي توقيع عقوبة على أصحاب المقاهي والكافيهات، بإغلاقها إذا ثبت تقديمها التدخين لمن هم أقل من 18 عاماً، وذلك حماية لصغارنا من الضياع، لافتاً إلى ضرورة تشديد الدور الرقابي من الأسرة علي الأطفال والرعاية الكافيه من الآباء لأبنائهم لعدم انحرافهم سلوكيًا إذ إنّ التدخين يُعدّ خطوه في طريق الإدمان .
المراهقة وغياب الأسرة
من جانب آخر يقول الدكتور حسين الطيب، استشاري وأخصائي أمراض القلب، إنّ الأطفال في مرحلة المراهقة يمرّون بأحد الصفات الأساسية لهذه المرحلة وهي التقليد فيقومون بتقليد المحيطين حولهم في السلوك والتصرفات.
ويضيف: إنّ انشغال الأسرة عن الأبناء في هذه المرحلة الحرجة وهي مرحلة المراهقة يزيد من خطورتها إذ يمكن للطفل أن يقلد شخصاً في قَصَّة شعر أو مظهر معيّن أو سلوك كالتدخين أو تعاطي المخدرات وعدم اهتمام الأسرة بالطفل هنا يتسبّب في خطورة بالغة على سلوكه قد تصل إلى الانحراف.
ويرى “الطيّب” أنّ مرحلة المراهقة تجعل الأطفال بحاجة إلى شعور إثبات الذات وأنهم صاروا كباراً بالفعل فيُشبعون هذا الشعور بتقليدهم للكبار فنجد من هم أقلّ من 15 سنة يقلّدون نجوم الفنّ في قصّات شعرهم، والمصطلحات التي يستخدمونها، وطريقة تناولهم للتدخين وحتي طريقتهم في الحوار مع الآخر، لذا وجب علينا الالتفات إلى الفنّ وما يقدمه من محتوى يؤثر بلا شك على سلوك صغارنا في سنّ المراهقة لأنّ عقولهم لم تنضج بعد فضلاً عن اضطرابات الشخصيّة بسبب مرحلة المراهقة وهو ما يجعل شعور الأنا مرتفع لديهم :” يريدون أن يحسّوا أنهم كبار فيقلدون تقليدا أعمى”.
الثقافة الغائبة
بينما يعزو علي الحافظ نائب رئيس هيئة “أبشر سيدنا”، اتجاه الأطفال للتدخين إلى غياب دور الأسرة في التربية والتنشئة الصحيحة:” الأسرة لم تعد رقيبة على الأبناء “، مضيفًا أنّ غياب الوعي الثقافي ينبئ بحدوث كوارث أخلاقية في المجتمع فكلّ ما ظهر من جرائم قتل وتحرّش واغتصاب يرجع إلى انعدام الثقافة داخل المنازل والمجتمع مناشداً الدولة بضرورة التدخل لتفعيل دور الثقافة.
تفعيل دور المؤسّسات التعليمية
وحول رؤية خبراء الاجتماع تقول الدكتورة مرام أبوالنادي إنّ الدول المتقدمة تمنع تدخين المواطنين في الطرقات والمطاعم والفنادق، وتساءلت عن دور الأخصائي الاجتماعي داخل المدارس في متابعة التلاميذ وسلوكهم ودور الأخصائي النفسي في متابعة الحالة النفسيه لهم والوقوف علي أسباب اتجاههم لسلوك مخالف كالتدخين وغيره وأيضاً دور رعاية الشباب في الجامعات في عقد ندوات تثقيفية بشأن أضرار التدخين، مؤكدة أنّ لدينا أدوات لتعديل سلوك أبنائنا في المدارس والجامعات ومعالجة الخطأ إذا ما حدث ولكننا للأسف لا نجيد استخدامها.
الفنّ خارج نطاق الأدب والأخلاق
وترى أبو النادي أنّ الفنّ هو أحد عوامل تردّي الثقافة في المجتمع خلال الفترة الأخيرة إذ لا يقدم إلا العنف والطاقة السلبية ويجسّد مشاهد للتحرش والاغتصاب والتدخين وتعاطي المخدرات وهو ما يشكّل خطورة بالغة علي الأسرة التي تجتمع أمام التلفزيون لتستقي معلوماتها وثقافتها من خلال بعض الأعمال الفنيّة الهابطة ويتأثر أفرادها بالمشاهد الجريئة التي لا تصلح للعرض أمام الأطفال مؤكّدة أنّ الفن ينعكس علي سلوك المُشاهد لا سيّما مع غياب الوعي الثقافي :” الفن خارج نطاق الأدب والأخلاق”.
وتؤكّد أبوالنادي أنّ بناء الإنسان منظومة متكاملة تبدأ بالأسرة ودورها في تربية الأبناء والاعتناء بهم صحيّاً ونفسيّاً ثم المؤسّسات التعليمية بمراحلها المختلفة ودورها في متابعة الطلاب ثم المؤسسات الدينية في نشر التوعية والثقافة من خلال الخطاب الديني الذي من شأنه توجيه سلوك الفرد وحثّه على الصواب في استدلال بآيات من القرآن الكريم وآحاديث من السُّنّة النبويّة الشّريفة:” أين دور الخطاب الديني في المساجد والكنائس ؟ “.
وتقول رئيسة اتحاد الجامعات الأردنيّة لمكافحة التبغ والتدخين الدكتورة زينب الكيلاني: “إنّ وباء التبغ يودي كلّ عام بحياة أكثر من 8 ملايين نسمة في أنحاء العالم، منهم أكثر من 7 ملايين ممّن يتعاطونه مباشرةً، ونحو 1.2 مليون من غير المدخّنين المُعرّضين لدخانه غير المباشر”، وهو ما يُعرف “بالتدخين السلبي”. وتُضيف: “يؤثر التدخين في ارتفاع مستوى الفقر نتيجة زيادة إنفاق الأسر إذ من الصعب كبح هذا السلوك في الإنفاق بسبب طابع الإدمان”.
التدخين حرام شرعًا
من الناحية الدينيّة يقول الأستاذ الدكتور حسين سمحان إنّ التدخين حرام شرعاً ويُبرهن من الشريعة الإسلاميّة بقول الله تعالى: “يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ“.كما أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عن كلّ مُسكِر ومُفتِر أيّ كل ما يُخدّل الأعصاب”.
ويضيف: إنّ التدخين حرام شرعًا في كلّ الأعمار لكن تتأكد حرمته في الصغار لأنّ تدخين الصغار سيؤدي إلى الإدمان ومن ثم يصعب التخلص من إدمان التدخين لافتًا إلى أنّ الشريعة وضعت تدابير وقائية تتمثل في التوعية الجادة بمختلف صورها بأن يكون ضمن المُقرّر التعليمي بجميع مراحله دروسًا تهدف إلى التوعية بأضرار التدخين إضافة إلى دور المساجد الدينيّة في التوعية والإعلام بمختلف وسائله فضلًا عن دور الأسرة.
ويؤكد أنّ استخدام القوانين لمواجهة الظواهر السلبيّة في ظلّ غياب التوعية بمخاطر هذه الظواهر لا يأتي بنتيجة بل تكون نتائجه عكسية لافتاً إلى مطالبة بإغلاق المقاهي والكافيهات التي تقدم التدخين للقاصرين : ” أنا ضد المعالجة باستخدام القوانين ” وتابع ” لا يفتخر العلماء بكثرة العقاقير ولكن بجودة التدابير”.
أضرار التدخين
وعن الجانب الصحّي يؤكد الأطباء خطورة التدخين على الصحّة فيقول الدكتور فراس الهواري إنّ التدخين أكبر عامل مساعد لحدوث مرض السدّة الرئوية ، موضحاً أنّ استهلاك أكثر من 10 سجائر يوميّاً لمدة تزيد على 5 سنوات قد يكون مؤشراً بإصابة المدخّن بالتليّف الرئوي أو ما يُدعي بـ “السّدة الرئوية”، واذا استمرّ التدخين لأكثر من 10 سنوات يُصاب المريض فعليًا بهذا المرض ولا يستطيع حينها الاستغناء عن البخاخات وموسّعات الشعب والأكسجين لأنّ السدّة الرئويّة عبارة عن التهاب في أنسجة الرئة يجعل المريض فاقدًا للقدره علي التنفّس وزيادة الإفرازات مؤكداً خطورة هذا المرض بالإضافة إلى احتماليّة حدوث مضاعفات على القلب والجسم عامةً.
سرطان الرئة
ويتابع الهواري عن آثار النيكوتين، قائلاً إنّ هذه المادة تصيب المدخّن بالعصبية لتشبّع الجهاز العصبي منها حتي أنها تصبح نوعًا من الإدمان ولذلك يواجه المُدخن صعوبة في الإقلاع عن التدخين بسبب احتياجه العصبي والنفسي لهذه المادة، مؤكدًا أنّ السّدة الرئوية تؤدي لفشل في عضلة القلب والجهاز التنفسي بالإضافة إلى أنّ من مضاعفاتها سرطان الرئة ممّا يؤدي إلى الوفاة..
التدخين القسري
ولا ننسى هذا النوع من التدخين وهو استنشاق دخان التبغ غير المباشر والّذي عادةً ما يملأ الأماكن المغلقة والمطاعم وغيرها الكثير من الأماكن عندما يتم حرق منتجات التبع من قبيل السجائر والأراجيل، يحتوي دخان التبغ على الكثير من المواد التي تُسبّب السرطان.
المدخن القسري يستنشق نوعين من دخان التبغ، الأوّل هو الدخان الناتج من حرق التبغ والثاني هو الدخان الناتج من عمليّة الزفير للمدخّن واستنشاق دخان التبغ غير المباشر ويتسبّب هذا النوع في حدوث أكثر من ٦٠٠،٠٠٠ وفاة مبكرة سنوياً.
ووجدت الدراسات أنّ التدخين المباشر وغير المباشر (التدخين والتدخين القسري) يؤثر على فترة ما قبل الحمل للمرأة وبعدها، وعلى المرأة المرضع والطفل الرضيع، فالتدخين بجميع أنواعه وأشكاله مُؤذٍ لصحّة الإنسان والكبار والبالغين والأطفال وجميع الفئات العمريّة.